
جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
تسعى الدول الكبرى في الأسواق الناشئة إلى تحويل مجموعة بريكس إلى منتدى عالمي قادر على التصدي للفوضى الاقتصادية والسياسية التي أطلقتها حرب الرسوم الجمركية التي شنها دونالد ترامب.
يجتمع وزراء خارجية المجموعة — التي سُميت بالأحرف الأولى للأعضاء المؤسسين: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، ولاحقاً جنوب أفريقيا — يوم الإثنين، في أول لقاء منذ أن أدت سياسات ترامب إلى زعزعة ليس فقط الاقتصاد العالمي، بل أيضاً المؤسسات متعددة الأطراف التقليدية مثل مجموعة العشرين، حيث أصبح تحقيق التوافق أمراً بعيد المنال.
هذا الاضطراب وضع بريكس في موقع يمكنها من انتزاع النفوذ العالمي الذي طالما سعى إليه بعض أعضائها البارزين، خصوصاً بعد توسعها لتشمل دولاً جديدة مثل مصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة. بات التكتل الآن يمثل نحو نصف سكان العالم وحوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
خلال الاجتماع الذي يستمر يومين في ريو دي جانيرو، سيخصص وزراء الخارجية وقتاً كبيراً لمناقشة سبل التعامل مع رسوم ترامب الجمركية. تواجه الصين، على سبيل المثال، تعريفات بنسبة 145% على معظم صادراتها إلى الولايات المتحدة، وقد أشارت إلى أنها ترغب في استغلال هذا الاجتماع للرد على واشنطن.
في إفادة صحفية الأسبوع الماضي سُئل فيها عن توقعات الصين للاجتماع، انتقد متحدث باسم وزارة المالية الصينية أولئك الذين "يتسلحون بالعصا الكبيرة للرسوم الجمركية ويقوضون العدالة والنظام الدوليين ويزيدون من المخاطر الأمنية العالمية"، دون أن يسمي الولايات المتحدة صراحةً. ودعا أيضاً إلى "تعزيز التعاون" و"العمل المشترك" بين دول بريكس.
ومن المتوقع أن يصدر وزراء خارجية بريكس بياناً يوم الثلاثاء يتضمن انتقادات حادة للإجراءات الأحادية الجانب بشأن التجارة، دون ذكر ترامب أو الولايات المتحدة بالاسم، بحسب مسؤولين اثنين حكوميين برازيليين. وأشارا إلى أن بعض الدول ترغب في توجيه توبيخ مباشر لترامب، إلا أن هذا الموقف لا يحظى بإجماع داخل المجموعة.
القدرة على إيجاد توافق بين وجهات النظر المختلفة هو بالتحديد ما ستحتاج بريكس إلى إظهاره لإثبات أنها قادرة على تفادي الانقسامات العميقة التي أضعفت مؤسسات مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين.
الدفاع عن التعددية
في ريو، سيبدأ وزراء الخارجية مناقشة أولويات رئاسة البرازيل الدورية لبريكس، والتي تشمل: اتخاذ خطوات أكثر جرأة بشأن التغير المناخي وتعزيز التعاون في مجال الصحة العامة وتقوية الروابط التجارية بين الدول الأعضاء والدفاع عن مبدأ التعددية.
يحذر المسؤولون البرازيليون من أن الهدف من بريكس، الذي تشكل قبل نحو عشرين عاماً، لم يكن أبداً تحدي القيادة الأمريكية للعالم أو تقويض النظام الدولي الذي تقوده واشنطن والغرب.
وقال السفير البرازيلي ماوريسيو ليريو في فبراير خلال اجتماع تحضيري في برازيليا: "القول بأن بريكس كتلة مناهضة لأمريكا أمر خاطئ تماماً. تم إنشاء المجموعة لتعزيز تنمية الدول النامية، وليس لمعاداة الدول الغنية."
ومع ذلك، فقد وضعت الأجندة البرازيلية بريكس كمدافع قوي عن التعددية في وقت يتجه فيه ترامب إلى فرض رسوم جمركية على غالبية دول العالم والتخلي عن المؤسسات والاتفاقات الدولية.
منذ توليه المنصب، انسحب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية وفكك الوكالة الأمريكية الرئيسية المعنية بالمساعدات الخارجية وأثار الشكوك حول استمرار مشاركة الولايات المتحدة في مجموعة العشرين.
وجاءت علامة مهمة على تكثيف دول بريكس جهودها الأسبوع الماضي عندما نظمت البرازيل والأمم المتحدة حدثاً افتراضياً حول المناخ، شارك فيها أكثر من عشرين زعيماً عالمياً، دون دعوة ترامب أو الولايات المتحدة. وكان أبرز المشاركين الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي تعهد بالتزام بلاده بالتعاون الدولي في مكافحة التغير المناخي "بغض النظر عن التغيرات في المشهد الدولي".
كان الحدث أحدث إشارة إلى تكثيف شي الجهود لتصوير بكين كحليف أكثر موثوقية مقارنة بالولايات المتحدة تحت قيادة ترمب حيث يسعى لتعميق العلاقات مع أجزاء أخرى من العالم—منها الاتحاد الأوروبي، الذي دخل معه في خلافات في السابق
تعزيز الروابط التجارية
كما أظهر الحدث أيضاً قوة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي جمع قادة مثل شي جين بينغ والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين استعداداً لاستضافة قمة المناخ الأممية المقبلة في نوفمبر.
رغم أداء متباين للبرازيل خلال رئاستها لمجموعة العشرين العام الماضي، يواصل لولا تأكيد حضوره في المناقشات العالمية الكبرى، وساهم بدور رئيسي في مفاوضات اتفاق التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور، الاتحاد الجمركي لأمريكا الجنوبية، أواخر 2024.
قالت جيمينا زونيغا، المحللة الاقتصادية في بلومبيرغ إيكونوميكس: "تلعب البرازيل دوراً قيادياً متزايداً في الجغرافيا السياسية، من خلال استضافة قمة بريكس هذا العام، والدفع نحو اتفاق ميركوسور وتعزيز التجارة الإقليمية والدفاع عن النظام التجاري التعددي."
يدفع لولا الآن دول بريكس لتحسين روابطها التجارية الداخلية لتعزيز قوتها العالمية ومواجهة القرارات الأحادية لترامب والولايات المتحدة. ومع أن فكرة إنشاء عملة موحدة — التي أثارت تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% ضد أعضاء بريكس — "ليست قيد النقاش" حالياً، وفقاً لما قاله السفير ليريو، إلا أن الجهود مستمرة لتطوير أنظمة مدفوعات محلية وأدوات مالية تسهل التجارة والاستثمار داخل التكتل.
الانقسامات الداخلية
مع ذلك، تبرز التحديات التقليدية التي واجهتها بريكس منذ تأسيسها: طموحات كبيرة، لكن إنجازات محدودة. فقد اختلف الأعضاء على رؤية موحدة، حيث تعتبر الصين التمتل أداة لمواجهة الولايات المتحدة، بينما يتحفظ آخرون لتفادي إغضاب الحلفاء الغربيين. كما توترت العلاقات بين الصين والهند بسبب نزاعات حدودية، ما دفع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى تعزيز تقاربه مع واشنطن بعد عودة ترامب إلى السلطة.
التوسع الأخير زاد من تباين وجهات النظر داخل بريكس مقارنة بتكتلات أكثر انسجاماً مثل مجموعة السبع، مجموعة الدول الغنية الغربية التي تهيمن على النظام العالمي. وفي حين خلق ترامب فرصة لبريكس، إلا أن حربه التجارية مع الصين أجبرت كل دولة على التفاوض بشكل منفرد، مما قد يضعف جهود لولا للدعوة إلى الوحدة.
وكما قال لولا في مارس:
"لا يمكننا الاستمرار في البحث عن سبل خروج فردية لكل دولة. العالم مقسم إلى تكتلات، ومن ينظم صفوفه أكثر، يحقق أكثر."
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.