جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
بالنسبة للأوروبيين، تكشف النتائج غير الحاسمة لانتخابات التجديد النصفي الأمريكية، بفوز الديمقراطيين بمجلس النواب وتوسيع الجمهوريين أغلبيتهم في مجلس الشيوخ، حقيقة مزعجة وهي ان الأيديولوجية "الترمباوية" لن تذهب بعيدا. ولهذه النتيجة تداعيات في أوروبا وخارجها.
والفكرة المشتركة للتحليلات الأوروبية—والروسية الرسمية—هي انه لا أحد يمكنه إعلان الإنتصار بشكل حقيقي وان الولايات المتحدة تبقى دولة منقسمة لديها رئيس مُطلق العنان. وقال السياسي الفرنسي والمسؤول السابق بالحكومة فرانسوا بايرو "أمريكا منقسمة لاثنين، وترامب وسياساته لم يتزحزحان، وهذا يجعل الأمر تحديا خطيرا جدا لأوروبا".
ولعجزه عن دفع أجندة تشريعية في الداخل خلال العامين القادمين بسبب كونجرس معادي له، سيولي ترامب اهتماما أكبر بالسياسة الخارجية التي فيها يتمتع الرئيس بسلطة أكبر للتحرك منفردا مثلما تكهن ريكاردو بارلام في الصحيفة الاقتصادية الإيطالية اليومية "إل سولي 24 أوري". واحتمال عامين قادمين من فرض عقوبات في الخارج وتهديدات برسوم ومطالب بإنفاق عسكري أكبر وإصرار على ان الأوروبيين يجب ان يشتروا الهيدروكربونات الأمريكية (النفط والغاز) ووصف الدول والمدن ببؤر موبوءه بالمهاجرين لن يكون مقلقا بقدر الاحتمال الواضح لفوزه بفترة ثانية في 2020. وتعطي انتخابات التجديد النصفي أول مبرر غير قابل للتشكيك بأن يتعامل غير الأمريكيين مع هذا الاحتمال على نحو جاد.
ولازال أوروبيين كثيرين يعجزون عن فهم سبب تصويت الأمريكيين لترامب بمثل هذه الأعداد الكبيرة. ففي غرب أوروبا، لا يفوز سياسيون مثله بالأغلبية وإنما أفضل فرصهم الحكم في ائتلاف مع أحزاب أكثر إعتدالا. وتتدنى الثقة في ترامب على هذا الجانب من الأطلسي (27% في إيطاليا التي يحكمها شعبويون و10% في ألمانيا و7% في إسبانيا بحسب مسح أجرته مؤخرا مؤسسة بيو جلوبال". وأشار مويسيس نايم في صحيفة إلباييس الإسبانية قبل انتخابات التجديد النصفي "40% من الأمريكيين يغفرون لترامب سلوكه الذي لا يغتفر في أي عالم محترم: من الكذب المستمر دون حرج إلى قسوة غير إنسانية لبعض قراراته".
وبالتالي أمر صادم لمراقبين أوروبيين أن انتخابات التجديد النصفي تثبت ان إنتصار ترامب في 2016 لم يكن حادثا عابرا وإنه ربما يكون لديه السحر للفوز بفترة ثانية. وكتب الخبير الاقتصادي الألماني البارز رودي باخمان على تويتر "من المهم لأي أحد في ألمانيا يعقد آمالا ان يعلم أن الترامباوية ليست فكرة أو حركة سياسية مؤقتة".
وبالطبع جزء من سحر ترامب هو قدرته على الإستفادة من المشاعر المناهضة للمهاجرين. وهذا له صلة بشكل خاص بالمعلقين السياسيين في ألمانيا، التي فيها مثل هذا الخطاب لم يكن طريقة مضمونة لكسب أصوات، وفيها يناقش الحزب الأقوى، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ما إن كان يتبنى قضية الهجرة لوقف تقدم المعارضة الشعبوية.
وكون ترامب كان قادرا على لعب ورقة كراهية الأجانب بنجاح وفي نفس الوقت تفادى هزيمة انتخابية فإن هذا يساعد السياسيين الوسطيين في ألمانيا الذين يدعون للتحول نحو اليمين. وإذا استمر ترامب وحركته في الولايات المتحدة، ستحصل أحزاب شعبوية في أوروبا على دعم أمريكي لتصبح خصوما أكثر قوة للقوى المحافظة التقليدية.
وعلى نحو مثير للاهتمام، أحجم أغلب القادة الشعبويين الأوروبيين المؤيدين لترامب، هؤلاء من هنأوه مبتهجين في 2016، عن التعليق على انتخابات التجديد النصفي، ربما بسبب غموض النتائج. فلم يتفوه بكلمه خيرت فيلدرز السياسي الهولندي المناهض للإسلام أو القومية الفرنسية مارين لوبان أو نائب المستشار النمساوي هاينز-كريستيان ستراتش أو أي من قادة حزب البديل من أجل ألمانيا أو أعضاء كبار بالأحزاب الحاكمة في بولندا والمجر. فقط رحب وزير الداخلية ماتيو سالفيني، الذي حزبه جزء من الائتلاف الحاكم في إيطاليا، بإنتصارات ترامب "في ولايات مهمة، ضد أي شيء وكل شيء: اليساريين من الصحفيين والممثلين والمغنيين ومخرجي الأفلام والمفكرين المزيفين".
لكن سالفيني بحسب رأي البعض الشعبوي الأهم هذا العام فحزبه يتصدر استطلاعات الرأي الإيطالية ويقف وراء محاولات لتوحيد القوى الشعبوية اليمينية من أجل انتخابات البرلمان الأوروبي العام القادم. وستتحقق أحلام سالفيني إذا أبلت هذه القوى بلاء حسنا مثل الجمهوريين بقيادة ترامب في انتخابات التجديد النصفي.
وبالنسبة لأغلب الدول الأوروبية، لن يتغير ما يذكر بعد الانتخابات الأمريكية. ففهي أحسن الأحوال، ستقترح القيادة الديمقراطية الجديدة في مجلس النواب سياسات بديلة وتحاول معالجة الصدوع التي لحقت ببعض التحالفات الخارجية بسبب ترامب—لكنهم سيمثلون فقط أنفسهم. ولا ينبيء أداء الديمقراطيين في الانتخابات بفوز كاسح، أو حتى بفارق ضيق، في 2020. وعلى هذا الجانب من الأطلسي، تواجه دولة وحيدة فقط مخاطر متزايدة نوعا ما من انتخابات التجديد النصفي هي روسيا.
بالنسبة للروس—ليس فقط في الكريملن، بل أيضا المستثمرين والمواطنيين العاديين—تعني سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس تقريبا نفس ما يعنيه حكم ترامب للإيرانيين ألا وهو احتمال عقوبات أشد حدة. ومن المؤكد ان يواصل الديمقراطيون في مجلس النواب محاولاتهم لربط ترامب بالرئيس فلاديمير بوتين، بغض النظر عن نتائج المستشار الخاص روبرت مولر والغياب الواضح لتدخل روسي حقيقي في انتخابات التجديد النصفي (باستثناء بعض اللجان الإلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي). بالتالي ردة الفعل الرسمية لموسكو، بعيدا عن التعليقات الواضحة في المنافذ الدعائية حول مدى إنقسام المجتمع الأمريكي، كانت محدودة عن قصد.
وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، "ليس من الممكن" تعقيد العلاقات الأمريكية الروسية أكثر من ذلك. وعند سؤاله ما إن كان الوضع السياسي في الولايات المتحدة أفضل أم أسوأ بعد الانتخابات، قال "ليس لدينا أدنى رغبة في التدخل".
وتعلم المسؤولون الروس إنه يتعين عليهم التحمل لفترة طويلة عندما يتعلق الأمر بالعداء الأمريكي. ويعتاد الأوروبيون أيضا على احتمال ان أمريكا تحت حكم ترامب ليست بالضرورة فاصلا مؤلما وقصيرا.
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.