أقدمت تيريزا ماي على مقامرة أخيرة بائسة لتمرير اتفاقها عبر البرلمان البريطاني قبل ترك منصبها—لكن يبدو ان جهودها مآلها الفشل.
وفي خطاب تم الترتيب له على عجل يوم الثلاثاء، تعهدت رئيسة الوزراء المحاطة بالأزمات ان تمنح أعضاء البرلمان تصويتا على ما إذا كانوا يدعون لإجراء إستفتاء جديد للتصديق على إنفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. وهذا شيء كان نواب كثيرون—من بينهم العشرات في حزب العمال المعارض—ينادون به، لكنها أوضحت إنه مشروط بتأييدهم لاتفاقها أولا.
وفي غضون دقائق من إنتهاء خطابها، بدأت ردة الفعل الغاضبة. فتوحد النواب المؤيدون للبريكست من حزب المحافظين مع زعيم المعارضة جيريمي كوربن والحلفاء الأيرلنديين الشماليين لماي في إدانة مقترحاتها. وتعهدوا بالتصويت ضدها في مجلس العموم الشهر القادم.
وسيؤدي فشل اتفاق ماي إلى إثارة الإضطرابات من جديد في بريطانيا ويزيد حالة عدم اليقين. وسيكون من المستحيل تقريبا التنبؤ بنتيجة البريكست حيث سيُترك إستكمال العملية لبديل يخلف ماي كزعيم لحزب المحافظين ورئيس للوزراء.
وقد يصبح مغادرة الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، أو حتى البقاء داخل التكتل مطروحا من جديد على الطاولة بمجرد ان ترحل ماي. ويعد بوريس جونسون، الذي قال إنه مستعد للمغادرة بدون اتفاق، الأوفر حظا في السباق على الزعامة الذي إنطلق بشكل غير رسمي.
وربما يمثل العرض الأحدث من ماي أخر محاولة لرئيسة الوزراء التي إستنفدت خياراتها. وبعد نحو ثلاث سنوات على تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، لاقى اتفاق ماي الرفض ثلاث مرات من البرلمان. وجربت محادثات مع حزب المعارضة الرئيسي للعمل على خطة مشتركة مع كوربن لكن إنهارت المحادثات الاسبوع الماضي. ويستعد حزبها الأن لهزيمة في انتخابات البرلمان الأوروبي يوم الخميس—وهي انتخابات لم يكن مقررا ان تشارك فيها بريطانيا وإضطرت لذلك بسبب تأجيل البريكست.
وصعد الاسترليني بعد ان ذكرت بلومبرج خطة إجراء تصويت على إستفتاء جديد، لكن بعدها تخلى عن مكاسبه مع تكشف التفاصيل وتداول منخفضا 0.2% عند 1.2706 دولار.
وتعهدت ماي بطرح اتفاقها، في شكل مشروع قانون، للتصويت في البرلمان في الأسبوع الأول من يونيو. وفي مواجهة دعوات ضخمة لها للإستقالة، تعهدت رئيسة الوزراء بالموافقة على جدول زمني لترك منصبها بمجرد ان يجرى التصويت. وباستثناء معجزة سياسية، تتجه ماي نحو نهاية مذلة لمسيرتها.
وقالت ماي أمام حضور بوسط لندن "حاولت كل شيء بإمكاني لإيجاد طريق للأمام". وأضافت "عرضت التخلي عن المنصب الذي أحبه في موعد أقرب مما أرغب فيه".
وقالت رئيسة الوزراء إنه على الرغم من ان المحادثات مع حزب العمال قد فشلت، إلا ان أغلب أعضاء البرلمان لازالو يريدون تنفيذ نتيجة إستفتاء عام 2016. وبعدها كشفت عن عرضها "لفرصة واحدة أخيرة لفعل ذلك".
وضمن خطة من عشر نقاط، تعهدت ماي:
- باختيار البرلمان لنوع النموذج الجمركي التي يجب ان تتبعه بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي بعد البريكست
- تصويت على مسألة عقد إستفتاء ثان للتصديق على بنود اتفاق الخروج، قبل ان يوافق البرلمان على الانفصال
- ترتيبات بديلة لتخفيف تأثير ما يعرف بخطة "الباكستوب" لتفادي حدود فاصلة مع أيرلندا.
لكن أولا يحتاج ان يصوت أعضاء مجلس العموم لصالح اتفاق ماي العام الإنفصال في الاسبوع الأول من يونيو، فيما قد يكون المرحلة الأولى من تمرير مشروع قانونها عبر البرلمان.
وما لم يؤيد نواب حزب العمال خطة ماي، ليس لديها فرصة تذكر لتمريره عبر مجلس العموم.
وقال كوربن " مقترح رئيسة الوزراء الليلة يبدو إلى حد كبير تكرار للسابق". وأضاف "سننظر جديا بالطبع في تفاصيل مشروع قانون اتفاقية الإنسحاب عند نشره. لكننا لن نؤيد نسخة معاد تغليفها لنفس الاتفاق القديم—ومن الواضح هذا الاسبوع ان الحكومة المفككة غير قادرة على الوفاء بإلتزاماتها".
وفي وقت سابق، عقدت ماي اجتماعا دام لثلاث ساعات مع حكومتها، فيه تصادم كبار وزراء الدولة بشكل غاضب حول مقترحاتها. وبحسب أشخاص إطلعت على المناقشات، قدمت ماي الإقتراح المفاجيء بأنه قد يسمح للنواب المحافظين بأن يصوتوا مثلما يودون على سؤال إجراء إستفتاء ثان.
ولكن أعرب وزراء مؤيدون للبريكست من بينهم مايكل جوف وأندريا ليدسوم وكريس جرايلنج عن معارضتهم جميعا لهذا "التصويت الحر". وقالوا إنه لابد من توجيه نواب حزب المحافظين للتصويت ضد تأييد إستفتاء جديد. وأجبر بعض الوزراء أيضا ماي على التخلي عن خطط لمنح البرلمان تصويتا على مقترح حزب العمال باتحاد جمركي كامل ودائم مع الاتحاد الأوروبي، بحسب المصادر.
وقال مكتب ماي إنه لم يقرر حتى الأن ما إذا كانت ستبلغ ساسة حزبها كيف يصوتون عندما يطرح مقترح الاستفتاء على البرلمان، أم ستتركهم يقررون بأنفسهم. وقالت ماي دوما إنها تعارض إستفتاء ثان حيث إنه سيكون مثيرا للإنقسام ويقوض الثقة في الديمقراطية.
وقال جاكوب ريس-موج النائب المحافظ المؤيد للبريكست "المقترحات الأحدث من ماي أسوأ من السابق وستتركنا مقيدين جدا بالاتحاد الأوروبي". وقال إن الوقت مناسب لترك التكتل الأوروبي بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، بدون اتفاق.