جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
قال الرئيس دونالد ترامب إنه يوجد سبيل سهل أمام شركة أبل لتجنب رسومه على الصين ألا وهو تصنيع منتجاتها في الولايات المتحدة. لكن هذا سيكون إنتصارا فارغا. إذا إتبعت أبل نصيحته سيكون ترامب قد حصل على الحلقة الأقل قيمة في سلسة إمداد الإلكترونيات دون فائدة تذكر للأمريكيين ودون معالجة التنافس الحقيقي في التجارة العالمية.
ويدور هذا التنافس حول خطوات الإنتاج الأكثر قيمة مثل البحوث والتصميم وتصنيع المكونات الأكثر تطورا التي تهيمن فيها الولايات المتحدة لكن الصين تضيق الفجوة معها. وحدد ترامب بشكل صائب ممارسات صينية—مثل إجبار الشركات الأمريكية على نقل التكنولوجيا إلى المنافسين الصينيين—كتهديد لهذه الهيمنة. لكن حرب تجارية شاملة قد تضر أكثر مما تنفع على المدى الطويل.
ويعد هاتف الأيفون الذي تصنعه أبل هو أحد أنجح المنتجات الإستهلاكية في التاريخ وأحد أكثرها إرتباطا بالعولمة. فكاميرا أيفون 7 يابانية الصنع وشرائح ذاكرته كورية جنوبية وشريحته لإدارة الطاقة بريطانية ودوائره اللاسلكية تايوانية ومعالج الواجهة البينية user-interface هولندي وجهاز إرسال وإستقبال الترددات اللاسلكية أمريكي وذلك بحسب دراسة للقيمة المضافة في الهواتف الذكية قام بها جيسون ديدريك من جامعة سيراكيوس وكينيث كريمر من جامعة كاليفورنيا.
ويساهم عاملو المصانع الذين يجمعون هواتف الأيفون في الصين بنسبة 1% فقط في قيمة المنتج النهائي. ويستحوذ المساهمون والموظفون في أبل، الذين أغلبهم أمريكيون، على نسبة 42%.
وبإفتراض أن أبل قررت ان كل الهواتف التي تبيعها في الولايات المتحدة سيتم تجميعها هنا. تشير تقديرات ديدريك ان كل هاتف يتطلب ساعتين للتجميع. وبالنسبة ل60 مليون هاتفا، هذا يعني 120 مليون ساعة عمل أو حوالي 60 ألف وظيفة.
وليس سهلا على الإطلاق توظيف مثل هذا العدد من العاملين. في عام 2013 سعت موتورولا موبيليتي لتصنيع هاتفها موتو إكس في الولايات المتحدة لكن وجدت صعوبة في إيجاد عاملين أمريكيين كافيين وفقا لويلي شيه، الخبير في نشاط التصنيع بكلية الاقتصاد في جامعة هارفارد والذي هو أيضا مدير شركة فليكس، شركة التصنيع التي تتعاقد موتورولا معها. وفي عام 2014، قررت موتورولا توريد الإنتاج من الخارج. وواجهت أبل مشاكل مشابهة في تجميع حاسبها ماك برو في تكساس.
وعلى إفتراض أن أبل يمكنها إيجاد 60 ألف عاملا، سيتعين عليها توظيف كثيرين من شركات أخرى في ضوء مدى انخفاض البطالة حاليا. وسيطغى على ميزة الأجور التي سيحصلون عليها زيادة في الأسعار التي سيدفعها أمريكيون أخرون من أجل هواتفهم.
وكم سيضيف هذا لسعر الهاتف؟ يقول ديدريك حوالي 30 دولار، ويعتقد شيه إنه سيكون أكثر من ذلك بسبب تكلفة شحن مكونات منفصلة إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك تلك الزيادة لن تقتل مبيعات الأيفون، الذي يتراوح سعره الأن بين 449 دولار و1.449 دولار. لكن يقول ديدريك إن التكلفة الأكبر للتجميع في الولايات المتحدة سيكون العجز عن إضافة سريعا مئات الألاف من العاملين عندما تُطرح منتجات جديدة، الأمر الممكن فقط في أسيا. وتتمكن جزئيا أبل من البيع بأسعار مرتفعة لأنها تقدم سمات فائقة قبل منافسيها.
وقال ديدريك "إذا قدموا للسوق متأخرا وكلفت منتجاتهم أكثر....ستخسر أبل حصة سوقية".
وتتشابه إقتصادات المنافسين لأبل حيث يمثل التجميع 1% فقط من قيمة "جالاكسي 7" الخاص بسامسونج إلكترونيكس وفقط 4% "لبي 9" الخاص بهواوي تيكنولوجيز، وفقا لديدريك وكريمر. وبالنسبة للهواتف الثلاثة، الأجزاء الأكثر قيمة في سلسلة الإمداد توجد في شيء أخر: في تصميم وبحوث الشركة الأم وتصنيع مكونات رئيسية مثل المعالجات الدقيقة والذاكرة وشرائح الاتصالات والكاميرات، والملكية الفكرية المرفقة ببراءات الإختراع. تلك الوظائف ليست عديدة لكنها تدر عائدا أكبر وتحمل فوائد متشعبة لبقية الاقتصاد في شكل الابتكار والخبرة والأرباح المعاد استثمارها في منتجات وأسواق جديدة.
وهنا تكمن المخاطر الحقيقية في الحرب التجارية الحالية. لقد فات الآوان على ان تجلب الولايات المتحدة سلسلة الإمداد بالكامل. كان وقت التحرك في أوائل الثمانينيات قبل ان تبدأ شركات التصنيع الغربية تورد تجميع الحواسيب الشخصية ومكونات كثيرة إلى شرق أسيا. وإستغلت تايوان وكوريا الجنوبية علاقاتها بالموردين للحصول على تكنولوجيا تصنيع منتجات معقدة بشكل متزايد.
وفي العقد الأول من الألفية الثانية، حذت الصين هذا الحذو لتبدأ بتجميع متواضع وبعدها جذبت موردين ذي صلة بمنحهم دخول تفضيلي إلى سوقها المحلية. وتتباهى الصين الأن بأربعة من أكبر شركات تصنيع الهواتف الذكية في العالم.
والسؤال الحقيقي هو ما إن كان مزيد من القيمة في سلسلة إمداد التكنولوجيا ستهرب من الولايات المتحدة إلى الصين.
ويتهم ترامب الصين بإجبار الشركات الأجنبية على تسليم التكنولوجيا وتقديم دعم لشركاتها وإقامة حواجز تساعد شركاتها على ان تحل بديلة عن المنافسين الأجانب في الداخل والخارج. وتملك الولايات المتحدة الكثير من النفوذ في حربها نظرا لإستمرار إعتماد الصين على التكنولوجيا الأمريكية وعلى وجود شركات مثل أبل لتعزيز قدراتها. لكن هذه المواجهة تحمل مخاطر حيث إجبار أبل على تحمل تكاليف لا يتحملها منافسوها يضر هيمنتها، والصين لديها سبل عديدة لمعاقبة الشركات الأمريكية مثلما فعلت مؤخرا برفض إستحواذ شركة كوالكوم الأمريكية على شركة أشباه الموصلات ان.إكس بي بحجة مكافحة الإحتكار.
تساند الشركات الأمريكية إلى حد كبير أهداف ترامب ومستعدة لتحمل بعض الألم في المدى القصير لتحقيقها، طالما ان النجاح ليس محسوبا بعدد الوظائف التي يخلقوها الأن في الولايات المتحدة لكن في جودة الوظائف التي يخلقوها الأن وفي المستقبل.
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.