جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
ربما نعذر الرئيس التركي رجب طيب أردوجان على التساؤل لماذا هو وحده بين الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط الذي إختصته عقوبات أمريكية على أساس حقوق الانسان.
ومنذ توليه الحكم، إحتضنت إدارة ترامب زعماء المنطقة الذين أولوياتهم تتفق مع السياسات الأمريكية الرئيسية، مثل مجابهة إيران والجماعات الإسلامية السنية. ومن بين الذين ينطبق عليهم ذلك الملك السعودي والرئيس المصري، وبنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ولكن أردوجان يسير في الاتجاه المعاكس.
فرغم أن تركيا عضو بحلف شمال الأطلسي (الناتو) إلا أنها وافقت على شراء منظومة الدفاع الصاروخي اس-400 من روسيا رغم إعتراضات أمريكية وسمحت لمسؤولين من جماعة الإخوان المسلمين وحركة الحماس بالعيش على أراضيها. وفي سوريا، هاجم جيش أردوجان جماعات كردية ينظر لها الأمريكيون كأكثر قوة قتالية فعالة ضد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية. هذا ويتقارب الرئيس من طهران.
وقبل أشهر من الخلاف الأمريكي التركي الحالي الذي يدفع الاقتصاد التركي نحو إنهيار مالي، أشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن العلاقات الثنائية تتعرض منذ سنوات لضغط متزايد، وكان ذلك عندما أبلغ نواب الكونجرس في مايو إن "هذا الاتجاه خاطيء بكل تأكيد".
وأثار إحتجاز تركيا لقس إنجيلي أمريكي قبض عليه في 2016 بتهم انه تجمعه صلات بمن هم وراء إنقلاب فاشل، الخلاف الأحدث والأكثر خطورة بين الحليفتين. لكنه لم يتضح في العلن إنها قضية ملحة خلال أول 15 شهرا من رئاسة ترامب. ويناقض الخلاف حول القس عدم إكتراث إدارة ترامب بقضايا حقوق الانسان بين حلفائه في الشرق الأوسط.
فقد أثنى الرئيس بشدة على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان متجاهلا حملة قمع للحريات في المملكة وأحجم عن إنتقاد حرب الدولة في اليمن، التي يقول مراقبون مستقلون إنها أدت لسقوط أعداد كبيرة في صفوف المدنيين.
وتحت حكم ترامب، أفرجت الولايات المتحدة أيضا عن معونة عسكرية لمصر كانت معلقة حول مخاوف حقوق الانسان، في بادرة طيبة تجاه الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد السابق للجيش الذي قاد عزل سلفه الإسلامي المنتخب ديمقراطيا. (ودعمت الولايات نتانياهو بنقل سفارتها إلى القدس رغم إعتراضات شرسة من الفلسطينيين).
وتدخل الدولتان الحليفتان للولايات المتحدة (السعودية ومصر)، بجانب إسرائيل، في خلاف مع أردوجان حول دعمه للجماعات الإسلامية وتقاربه مع إيران وقطر، التي تتعرض لمقاطعة تقودها السعودية منذ أكثر من عام. وأتى هذا التقارب مع قطر بثماره يوم الاربعاء حيث أعلنت قطر استثمارات بقيمة 15 مليار دولار في تركيا.
وليس هناك ما يتعارض في استراتجية السياسة الخارجية المتغيرة لأردوجان مع الأهداف الأمريكية أكثر من تقاربه المتزايد من إيران وروسيا.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم الثلاثاء إن أنقرة لن تطبق العقوبات الأمريكية المعاد فرضها على إيران بعدما إنسحب ترامب من الاتفاق النووي المبرم في 2015. ويقول محللون إن الدولتين تجدان أرضية مشتركة في الوقوف ضد الولايات المتحدة.
وقال إيلي جيرامايش، العضو البارز بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن تركيا وإيران "في نفس المعسكر". "إذا تمكنت إيران من استمرار مشتريات تركيا من النفط عند نفس المستويات لتعويض أي خسائر تتكبدها في أسواق أخرى، فهذا سيكون مهما من المنظور الإيراني".
قيود النفط
وهذا سيقوض أيضا واحدة من الأولويات الرئيسية لسياسة ترامب الخارجية، مع تخطيط الإدارة لفرض عقوبات جديدة على مبيعات نفط الجمهورية الإسلامية في أوائل نوفمبر.
وقال أليسون وود، المحلل لدى كونترول ريسكز المقم في لندن، "محاولة الولايات المتحدة لعزل إيران اقتصاديا والضغط على الدولة للتفاوض على اتفاق نووي جديد ستظل أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط". "ولكن تلك واحدة من عدة قضايا أسفرت عن علاقات مضطربة بين تركيا والولايات المتحدة على مدى العام الماضي".
ولم يساعد أيضا إرتماء أردوجان في أحضان روسيا. وأثار قرار شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية غضبا بين النواب الأمريكيين، الذين مرروا حظرا على تسليم طائرات الجيل القادم من نوع أف 35 للدولة الحليفة بالناتو حتى يقدم البنتاجون تقريرا حول العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا.
ورغم تزايد الضغط الأمريكي، يبقى أردوجان متحديا قائلا إن الولايات المتحدة هي التي تدفعه للتواصل مع خصومها. وحض على مقاطعة الإجهزة الإلكترونية الأمريكية وإختص هاتف أيفون الذي تنتجه شركة أبل، كما فرضت تركيا اليوم رسوما إضافية على مجموعة من الواردات الأمريكية الصنع.
لكن من الواضح ان ترامب لديه تأثير أكبر.
فأدى قراره المفاجيء بمضاعفة الرسوم الجمركية على تركيا بسبب رفضها الإفراج عن القس الأمريكي، أندريو برونسون، إلى تهاوي الليرة التي تهبط بالفعل طيلة أشهر مع تخوف المستثمرين بشأن إستقلالية صناعة السياسة النقدية. وبذلك تحولت المواجهة الجيوسياسية إلى أزمة عملة بتداعيات عالمية.
وقال أرون ستاين، العضو المقيم البارز بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط لدى المجلس الأطلسي ومؤلف كتاب (السياسة الخارجية الجديدة لتركيا)، "أنقرة تتمادى في رد الفعل رغم ان أردوجان ليس لديه ما يستند عليه".
وتتهم الولايات المتحدة أيضا "خلق بنك" المملوكة للدولة في تركيا بمساعدة إيران على التملص من العقوبات وأدانت أحد المديرين التنفيذيين للبنك. وتحت حكم ترامب وسلفه باراك أوباما، رفضت واشنطن مرارا طلب تركيا بترحيل رجل الدين المقيم في ولاية بنسلفانيا الذي تقول إنه العقل المدبر لمحاولة إنقلاب 2016.
وأضاف وود من كونترول ريسكز إنه ليس من المرجح ان يتراجع أي زعيم عن موقفه حيث يأخذان في الاعتبار "الجمهور في الداخل عندما يحسبان ردة الفعل على الجانب الأخر". "بمعنى أخر، كل السياسة لها أهداف محلية".
"بالنسبة لترامب، النضال من أجل الإفراج عن قس إنجيلي يستهدف قاعدة ناحبين مهمة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر، وبالنسبة لأردوجان، ردة فعله تعكس بالمثل رغبة في ان يظهر للناخبين قوته في علاقة تركيا بالولايات المتحدة".
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.