
جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
سارعت الصين إلى إدانة إسرائيل عقب هجومها على إيران، إلا أن الرئيس شي جين بينغ لم يُبدِ أي مؤشر على استعجال تقديم أسلحة أو دعم آخر من شأنه أن يُساعد طهران في مواجهة أصعب اختبار عسكري لها منذ عقود.
وقد دعت بكين مرارًا إلى تجنّب التصعيد، وجددت يوم الخميس مطالبتها للولايات المتحدة ودول أخرى بانتهاج الحوار و"منع انزلاق الوضع الإقليمي إلى الهاوية". ومع ذلك، لم تقدم الصين حتى الآن أي دعم مادي لإيران يتجاوز استمرار العلاقات التجارية الطبيعية، وهو النهج ذاته الذي اتبعته مع روسيا.
ورغم أن حكومة شي قدّمت دعمًا دبلوماسيًا لحرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا وشحنت مواد مزدوجة الاستخدام إلى موسكو، فإنها حرصت على عدم تقديم أسلحة مباشرة، لتجنّب التعرض لعقوبات أمريكية. وسلكت بكين مسارًا مشابهًا خلال المواجهة العسكرية الأشد منذ نصف قرن بين "حليفتها الوثيقة" باكستان والهند، إذ دعت إلى التهدئة دون تدخل فعلي.
وقال وين-تي سونغ، الزميل غير المقيم في مركز الصين العالمي التابع لمجلس الأطلسي: "قد تكون الصين تقدم لإيران دعمًا اقتصاديًا وتضامنًا لفظيًا، لكن التدخل العسكري الفعلي ليس مطروحًا على الطاولة في الوقت الراهن".
وأضاف: "الصين لا ترغب في الوقوع في شرك حرب إيران مع إسرائيل، خاصة في ظل دعم إدارة ترامب للأخيرة".
في حين أن الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل من الانخراط في حروب طويلة الأمد بعيدًا عن أراضيها، فإن تردّد الصين في التورط في نزاعات خارجية يُعدّ سمة بارزة في سياسة الرئيس شي جين بينغ الخارجية. وقد مكّنها مبدأ "عدم التدخل" هذا من التمايز عن واشنطن في دول الجنوب العالمي، حيث سعت بكين إلى توطيد علاقاتها من خلال القروض ومشروعات التنمية، متجنبة الدعوات إلى تغيير الأنظمة السياسية.
ويُشبه موقف بكين تجاه إيران، في ظل ما تتعرض له من هجمات إسرائيلية وربما أمريكية، نهج شريكتها الاستراتيجية الأخرى، روسيا. فكما هو الحال مع الصين، اكتفت موسكو بانتقاد الهجمات الإسرائيلية دون تقديم دعم فعلي لطهران.
وعقب مكالمة هاتفية بين شي وبوتين يوم الخميس خُصصت لمناقشة تطورات الشرق الأوسط، طرح الرئيس الصيني مقترحًا من أربع نقاط بشأن الصراع، دعا فيه إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
وقال شي: "يقع على عاتق المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى التي تملك تأثيرًا خاصًا على أطراف النزاع، أن تبذل الجهود للمساهمة في تهدئة الأوضاع"، في إشارة ضمنية إلى الولايات المتحدة.
عزّزت الصين علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع طهران خلال السنوات الأخيرة، رغم عدم وجود تحالف رسمي يجمعها بالجمهورية الإسلامية. وقد أشرف الرئيس شي جين بينغ على انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2023، ثم إلى مجموعة "بريكس"، وهما تكتلان تسعى بكين إلى تقويتهما كجزء من تحديها للنفوذ الأمريكي على الساحة الدولية.
ورغم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مدتها 25 عامًا مع إيران في عام 2021، تضمّنت أنباء عن تعهّدات صينية باستثمارات تصل إلى 400 مليار دولار، إلا أن تنفيذ هذا الاتفاق ظل ضعيفًا. ويبدو أن المصالح الاقتصادية للصين في منطقة الخليج الأوسع قد باتت تفوق بشكل واضح علاقتها الاقتصادية مع إيران.
وتُظهر البيانات أن العلاقات التجارية بين الصين وإيران غير متكافئة بشكل كبير لصالح بكين. فالصين تمثّل نحو ثلث التجارة الإيرانية، في حين لا تمثّل إيران سوى أقل من 1% من التجارة الخارجية الصينية، وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية .وعلى الرغم من أن الصين تشتري حوالي 90% من صادرات النفط الإيراني، متحدّية بذلك العقوبات الأميركية، إلا أن إيران تُعتبر في نهاية المطاف شريكًا طاقويًا يمكن استبداله بالنسبة للصين.
وقالت وكالة "فيتش للتصنيف الائتماني" في مذكرة يوم الإثنين: "في حال – وإن كان احتمال ذلك ضئيلاً – توقفت جميع الصادرات الإيرانية، فإن المنتجين في مجموعة أوبك+ يملكون طاقات احتياطية يمكن أن تعوّض النقص."
وتبرز بالفعل مؤشرات على هذا التحوّل. فمع تزايد القلق من اتساع نطاق العقوبات الثانوية، خفّضت المصافي الصينية الخاصة مشترياتها من النفط الإيراني خلال الأسابيع الماضية. وتراجعت واردات الصين من النفط الإيراني إلى نحو مليون برميل يوميًا في مايو، وهو أدنى مستوى في ثلاثة أشهر، وفقًا لبيانات "فورتكسا" المتخصصة في تتبّع تدفقات النفط.
بينما توسطت بكين في انفراجة دبلوماسية بين إيران والسعودية في عام 2023، فإنها بقيت إلى حدّ كبير على الهامش في ظل اندلاع نزاعات جديدة أربكت المشهد في الشرق الأوسط.
إيران، التي تواجه آلة عسكرية إسرائيلية متفوقة، ستكون بحاجة إلى أنظمة دفاع جوي متقدمة ومقاتلات حديثة — وهي أنواع من الدعم يُستبعد أن تُقدمها الصين. فمنذ عام 2005، أوقفت بكين رسميًا بيع منظومات أسلحة رئيسية لطهران. ومع ذلك، فرضت الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام عقوبات على ست شركات من هونغ كونغ والصين، بتهمة مساعدتها لإيران في الحصول على مكوّنات لطائرات مسيّرة.
وفي ظل هذه القيود، قد تكون الوساطة خيارًا آخر مطروحًا أمام الصين. لكن حتى لو أبدى الرئيس شي جين بينغ استعداده للوساطة، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت أي من الجهتين سترحّب به. فمن جهة، من غير المرجح أن تقبل إسرائيل دورًا صينيًا بعد أن أظهرت بكين انحيازًا واضحًا للقضية الفلسطينية. ومن جهة أخرى، تميل الصين إلى العمل ضمن أطر متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة، لا من خلال مبادرات فردية تتصدر المشهد.
وقال البروفسور تشيكون تشو، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة باكنيل: "شي أعرب عن استعداده للمساعدة. لكن ماذا يمكنه أو يمكن للصين أن تفعله فعليًا؟"
وأضاف: "الوساطة مهمة ضخمة يصعب تحقيقها دون تعاون اللاعبين الرئيسيين الآخرين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة."
ربما يتمثل أكبر خطر تواجهه بكين في تصاعد الصراع إلى حرب إقليمية واسعة النطاق تُفضي إلى تدخل مباشر من الولايات المتحدة، ما قد يهدد أمن الطاقة الصيني. فثاني أكبر اقتصاد في العالم يُعد مستوردًا صافيًا للنفط الخام، ويعبر نحو 45% من وارداته من النفط عبر مضيق هرمز.
كما أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية قد يُضعف قدرة الصين على الحفاظ على وتيرة النمو، في وقت يواجه فيه صانعو السياسات تحديات بالفعل، مثل تصاعد الحواجز التجارية وانهيار سوق العقارات المستمر منذ سنوات، مما أثّر سلبًا على إنفاق المستهلكين.
وبحسب محللين في "بلومبرج إيكونوميكس"، من بينهم أليكس كوكشاروف، فإن "بكين ستواصل إدانة الصراع، لكنها ستحاول في الوقت ذاته موازنة علاقاتها مع إسرائيل ودول الخليج، والسعي لضمان تدفّق مستقر للطاقة".
وأضاف كوكشاروف في مذكرة يوم الخميس: "صراع محدود يشغل واشنطن قد يحمل جانبًا إيجابيًا واحدًا لبكين: انخراط أمريكي أوسع في الشرق الأوسط من شأنه أن يصرف الانتباه عن المنافسة الاستراتيجية مع الصين."
ويعكس هذا الحساب تباين الآراء داخل الصين، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث دعا بعض الأصوات القومية بكين إلى تقديم الدعم لطهران.
المعلق السياسي لي غوانغمان كتب محذرًا من أن فشل إيران سيكون بمثابة "كارثة جيوسياسية" للصين. وأوضح أن سقوط النظام الإيراني سيُقوّض مبادرة "الحزام والطريق"، ويعرّض أمن "الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان" للخطر، ويمنح الولايات المتحدة فرصة لاستعادة السيطرة على نفط المنطقة، مما يُطيل من عمر "هيمنة البترودولار"، على حد تعبيره.
ومع ذلك، تثمن بكين الاستقرار في علاقاتها الخارجية، ونادرًا ما تدعم تغيير الأنظمة بالقوة، وفقًا لنيل توماس، زميل الشؤون الصينية في "معهد سياسة مجتمع آسيا – مركز تحليل الصين".
وقال توماس: "استراتيجية الصين في الشرق الأوسط تقوم على الحفاظ على علاقات طيبة مع جميع الأطراف، لتعظيم مكاسبها الاقتصادية وتعزيز نفوذها الجيوسياسي."
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.