جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
لأكثر من نصف قرن، كان وزير النفط السعودي قادر على تحريك الاسواق بكلمات قليلة بشأن ما قد تقرره منظمة أوبك في اجتماعها القادم، ليُدر بذلك ملايين إن لم يكن مليارات الدولارات من الأرباح على الدول الأعضاء.
هذا لم يعد الحال. فعلى الرغم من ان اجتماعات أوبك تؤثر على الأسعار إلا ان صوت السعودية لم يعد الأكثر تأثيرا، وإنما صوت دولة غير عضوه هي روسيا، بالأخص فلاديمير بوتين.
ومنذ العمل على اتفاق بين روسيا ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لكبح إمدادات النفط قبل عام، أصبح بوتين هو اللاعب الأكثر تأثيرا داخل المنظمة. وعلى حد قول مسؤول بأوبك طلب عدم نشر اسمه، الزعيم الروسي الأن "صاحب الكلمة الفصل".
ويعكس النفوذ المتزايد للكريملن داخل أوبك سياسية خارجية صُممت لمواجهة النفوذ الأمريكي عبر العالم من خلال خليط واسع من الإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية. ويبدو ان تلك الاستراتجية، التي يدعمها ثروة هائلة روسية من الموارد الطبيعية ، تجدي نفعاً.
وقالت هيلما كروفت، المحللة السابقة في وكالة المخابرات المركزية سي.اي.ايه والتي تدير حاليا قسم السلع العالمية في ار بي سي كابيتال ماركتز في نيويورك، "بوتين هو الأن قيصر سوق الطاقة العالمي".
وستكون قوة وضع بوتين في دائرة الضوء يوم 30 نوفمبر عندما يستضيف الدول ال14 الأعضاء بأوبك، بما يشمل إيران والعراق ونيجريا وفنزويلا، منتجين مستقلين مثل روسيا والمكسيك في فيينا لمناقشة ما إذا كانوا يمددون تخفيضات الإنتاج لما بعد مارس. ويُحدق الخطر بالوضع الاقتصادي والسياسي لكافة الدول المشاركة، من بينهم كازاخستان وأزربيجان، الجهوريتان السوفيتان سابقاً اللتان أشركهما بوتين في الاتفاق. ويضخ المشاركون في الاتفاق بشكل جماعي 60% من معروض النفط في العالم.
وتسبب بوتين في قفزة قصيرة الآجل في الاسعار عشية أول زيارة على الإطلاق لملك سعودي لروسيا الشهر الماضي بالتلميح إلى ان تخفيضات الإنتاج سيتم تمديدها حتى نهاية العام القادم، لكنه شدد على أنه لم يتخذ قرارا نهائيا. وأدت تعليقات بوتين إلى تجدد جهود الدبلوماسية من جانب المنتجين الأعضاء بأوبك والمنتجين من خارجها في محاولة لإبرام اتفاق.
وبشكل مؤكد هذا التحالف ليس منسجماً. فتشكو السعودية، أكبر بلد مصدر للنفط في العالم والتي تتحمل الجزء الأكبر من التخفيضات، من ان المنتجين المشاركين في اتفاق خفض الإنتاج لا يلتزمون بشكل كامل. ويزداد أيضا إحباط السعوديين من تحفظ روسيا على تمديد التخفيضات وفقا لشخص مطلع على وجهة النظر السعودية.
ومنذ تعليقات بوتين، يبعث الكريملن بإشارات متضاربة ليهديء جزئيا أقطاب صناعة النفط في الداخل مثل رئيس شركة روسنيفت المملوكة للدولة إيجور سيتشن ورئيس لوك اويل الملياردير فاجيت أليكبيروف. لكن أيضا لمحاولة منع أسعار النفط من الارتفاع بما يكفي لتحفيز شركات النفط الصخري على التنقيب بشكل أكبر في الولايات المتحدة، التي تتوقع ان يصل إنتاجها المحلي إلى 10 ملايين برميل يوميا العام القادم، وهو مستوى قياسي يتجاوز كلا من السعودية وروسيا.
ولدى بوتين، الذي دخل في تحالف غير مسبوق له مع أوبك عندما كانت الاسعار أقل بنحو 20 دولار من مستواها اليوم وكانت السوق تبدو متخمة بشكل أكبر بالإمدادات، مبرر أخر لعدم الرغبة في ارتفاع أسعار النفط بحدة. تستفيد روسيا حاليا من ضعف الروبل، الذي يصب في مصلحة المصدرين، وتصبح أقل اعتمادا على مبيعات الطاقة من أجل الوفاء بإلتزامات إنفاقها.
بالنسبة للمنتجين الروس، تصبح تخفيضات الإنتاج مؤلمة بشكل متزايد. وبما ان البرنت، خام القياس العالمي، يبلغ حوالي 63 دولار للبرميل، أعلى بنحو 30% منه قبل عام، فإنهم يرغبون في بدء زيادة الإنتاج. بل وأعلنت روسنيفت هذا الشهر أنها تحتاج ان تكون مستعدة لرفع الإنتاج في ديسمبر—وهو موعد مفاجيء لأنه قبل ثلاثة أشهر من انتهاء الاتفاق الحالي.
وقال إريك ليرون، النائب الأول لرئيس روسنيفت، في مؤتمر عبر الهاتف "توجد ثلاثة سيناريوهات ننظر لها، تتوقف تخفيضات أوبك نهاية العام أو نهاية مارس من العام القادم أو تستمر طوال 2018".
ووفقا لإدوارد سي. تشو، الزميل في مركز الدراسات الاستراتجية والدولية في واشنطن والمدير التنفيذي السابق لشركة شيفرون كورب، لازالت الاسعار الحالية—والوقائع الجيوسياسية—تشير ان الاتفاق سيتم تمديده.
وقال تشو "هذا مفيد بشكل متبادل". "السعوديون يحتاجون إلى شريك كبير منتج للنفط للتأثير بشكل فعال على السوق، واحتمالية دور جيوسياسي واقتصادي أكبر في الشرق الأوسط لروسيا يجعل الإلتزام بتخفيضات الإنتاج تحركا ضروريا لموسكو".
وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح انه يود إعلان تمديد للاتفاق حتى نهاية 2018 الاسبوع القادم. ويتردد مسؤولون روس في إتباع الخطة السعودية، لكنهم اتفقوا مؤخرا على الخطوط العريضة لاتفاق مع الرياض لإطالة أمد التخفيضات حتى نهاية 2018 وفقا لاشخاص مطلعين على الأمر. ومع ذلك لم يتفق الجانبان حتى الأن على التفاصيل الجوهرية وتريد موسكو إدخال صياغة على الاتفاق ستجعل التخفيضات مشروطة بحالة السوق حسبما أضاف نفس الاشخاص الذين طلبوا عدم نشر اسمائهم لأنهم يناقشون محادثات خاصة.
وبالنسبة للسعودية، الاحتياج لمشاركة روسيا في قرارات خاصة بإنتاج النفط، الحليفة للعدو اللدود إيران في الحرب الأهلية السورية، هو دواء مر عليها ان تتجرعه. في الماضي، كان يمكن للسعوديين فرض إرادتهم على الاسعار ومعاقبة خصومهم بإغراق السوق، كما فعلوا ضد أعضاء أخرين بأوبك في 1985-1986 وضد فنزويلا في 1998-1999 وضد صناعة النفط الصخري الأمريكية في 2015-2016. وكانت روسيا تأتي في تفكيرهم بعد ذلك.
لكن الأن الاقتصاد السعودي يترنح والمملكة تحتاج لأسعار خام أعلى مثلها مثل أي دولة أخرى. وبحسب بعض المقاييس، من ضمنها نقطة التعادل المالي التي عندها تتساوى الإيرادات بالنفقات، تحتاج السعودية لأسعار أعلى من إيران أو روسيا، التي تستند ميزانيتها للعام القادم إلى ان يبلغ النفط في المتوسط 40 دولار للبرميل.
ويبدو ان حملة ولي العهد محمد بن سلمان لمكافحة الفساد والتي شملت اعتقالات مفاجئة لعشرات من الأمراء والمليارديرات قد زادت فقط من الاعتماد الجديد من المملكة على روسيا. أنهت تلك الحملة من التطهير نموذجا مستمر منذ عقود يجمع النخبة سويا وحول نجاح برنامجه الطموح من الإصلاح الاقتصادي إلى معركة من أجل البقاء وفقا لأمريتا سين، كبير محللي النفط في إنرجي أسبيكتس في لندن.
وقال سين "بسبب هذا التهديد، نعتقد ان محمد بن سلمان، يحتاج لإيرادات نفط قوية—وبالتالي أسعار نفط أعلى—لضمان أن يبقى في الحكم".
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.