جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
مرت تركيا بالكثير خلال السنوات القليلة الماضية : محاولة إنقلاب وإستفتاء مثير للإنقسام ركز مزيد من السلطة في أيدي الرئيس رجب طيب إردوغان وتداعيات الحرب الأهلية السورية على حدودها الجنوبية. لكن كل هذا لا يفسر استمرار بقاء الليرة تحت ضغط خلال كل موجة بيع كبيرة للأسواق العالمية . فوراء خمس سنوات متتالية من الانخفاض اقتصاد غير متزن يعتمد دوما على رأس المال الأجنبي.
هي واحدة من عملات الأسواق الناشئة الأشد تضررا إذ فقدت أكثر من 10% من قيمتها مقابل الدولار واليورو في 2018. فقط البيزو الأرجنتيني هو العملة الوحيدة التي شهدت أداء أسوأ بين العملات الرئيسية حيث إضطر البنك المركزي الأرجنتيني لرفع أسعار الفائدة إلى 40% وتم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لتقديم تمويل طاريء.
يشكو المستثمرون من ان الاقتصاد التركي يشهد نموا تضخميا وسياسته النقدية تبقى تيسيرية بشكل زائد لا يساعد في إحتواء التضخم. وتركيا مثقل كاهلها أيضا بعجزين مزدوجين هما عجز ميزانيتها الذي يفاقم منه حوافز مالية قبل انتخابات موعدها يونيو وعجز ميزان المعاملات الجارية –المقياس الأوسع نطاقا للاختلال التجاري للدولة—الذي ارتفع إلى أكثر من 5% من الناتج الاجمالي، الذي هو من بين الأكبر في مجموعة دول العشرين . وهذا يجعل الليرة عرضة بشكل خاص لتدفق رؤوس الأموال للخارج. عندما تكون الظروف جيدة والمستثمرون راغبون في تحمل المخاطر، تتدفق الأموال على تركيا بما يدعم العملة. وعندما تسوء المعنويات وتتباطأ التدفقات، كما حدث مؤخرا، تعاني الليرة.
جزء من المشكلة هو ان تركيا تفتقر لموارد طاقة وبالتالي هي مستورد كبير للنفط، الذي يعني ان موجة الصعود الطويلة في أسعار الخام تتسبب في تضخم فاتورة الواردات. ويعني انخفاض معدل الإدخار في تركيا إن النمو فائق السرعة—حيث نما الاقتصاد بوتيرة أسرع من الصين في 2017—يتعين تمويله بأموال مقترضة من الخارج. وما يجعل الأمور أسوأ هو ان أغلب السيولة النقدية تأتي في شكل تدفقات محافظ استثمارية قصيرة الآجل على الأسهم والسندات، على خلاف الاستثمارات طويلة الآجل الأكثر استقرارا والمطلوبة في شركات ومصانع. ولضمان بقاء المال، يحتاج البنك المركزي التركي للتأكد ان أسعار الفائدة مرتفعة بالقدر الكافي لإغراء المستثمرين—وهو شيء يبدو مترددا في فعله.
لنكون منصفين، تمكن البنك المركزي من رفع أسعار الفائدة بأكثر من 500 نقطة أساس منذ 2017 إلى المستوى الحالي 13.5%. والمشكلة هي ان إردوغان، الذي جعل نفسه أقوى زعيم لتركيا منذ مؤسسها، مصطفى كمال أتاتورك، يؤيد تخفيض أسعار الفائدة. (هو لديه أفكاره بشأن ما يسبب التضخم). وينتاب المستثمرون قلقا من ان استمرار الضغوط السياسية من الحكومة يعني ان البنك سيقاوم إتخاذ إجراء جديد حتى تجبر السوق على زيادة في أسعار الفائدة. وفي نفس الأثناء، ينتهي الحال بألا يكون هذا مثمرا: فالليرة تهوى والتضخم يتسارع ويرتفع حجم زيادة الفائدة التي يطلبها حملة السندات. ويقول بعض المستثمرين إن البنك متأخر حتى الأن بحيث يحتاج لرفع أسعار الفائدة بنسبة ضخمة تصل إلى 200 نقطة أساس، ربما في اجتماع طاريء غير مقرر.
ليس كلها، لكن ارتفاع أسعار الفائدة قد يضع الاقتصاد على مسار قابل للاستمرار. فقد يهدأ نشاط الاقتصاد وتتباطأ الواردات وينحسر عجز ميزان المعاملات الجارية. وستحتاج تركيا للإقتراض بشكل أقل مما يعطي الليرة وقطاع الشركات في تركيا، المثقل بديون بالعملة الأجنبية تعادل 40% من الناتج المحلي الاجمالي، بعض الارتياح. وعن الجانب السلبي، سيترك ربما ارتفاع أسعار الفائدة بعض المقترضين عاجزين عن سداد خدمة ديونهم وبالتالي القروض المتعثرة في البنوك سترتفع على الأرجح. ولإبقاء معدل البطالة منخفضا في مثل هذا السيناريو—الذي يستقر حول 10% الأن—ستحتاج تركيا للتحول إلى نموذج نمو اقتصادي يقوده الإنتاج والصادرات.وهذا سهل قوله عن فعله.
نعم، الإصلاح الهيكلي للاقتصاد. هذا يتطلب إصلاحات اقتصادية تأخرت طويلا بسبب كلفتها السياسية والتي من شأنها ان تزيد التنافسية وتعزز الوفورات وتستثمر في التعليم والتكنولوجيا الذي بدوره سيساعد في زيادة إنتاج السلع عالية القيمة بما يعزز إيرادات التصدير. فقط وقتها تتحرر الليرة من إعتمادها على التدفقات المتقلبة لرأس المال الأجنبي.
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.