جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
مُني اليورو بخسائر سريعة وقاسية هذا العام، وقد تجاوز الآن عتبة التعادل مع الدولار لأول مرة منذ أكثر من عقدين.
وكان التراجع بنسبة 12٪ نتيجة لضغوط عديدة، من الحرب في أوكرانيا إلى أزمة طاقة والخطر المتنامي بأن تقطع روسيا صادرات الغاز وتدفع منطقة اليورو إلى الركود. وأضف إلى ذلك تحرك البنوك المركزية بسرعات متفاوتة إلى حد كبير والطلب على الدولار، ويقول بعض المحللين إن التعادل قد لا يكون نقطة النهاية، وإنما مجرد نقطة انطلاق لمزيد من الضعف.
وقالت جين فولي، رئيسة إستراتيجية العملات لدى رابو بنك في لندن "كسر التعادل ربما تأجل بفعل محاولة بعض المشاركين في السوق منع تفعيل سيل من عقود الخيارات تحت هذا المستوى، لكن ليس من الصعب تصور انخفاض اليورو بشكل أكبر".
"هذا يعتمد إلى حد كبير على تدفق الغاز من روسيا إلى ألمانيا وما إذا كان سيكون هناك تقنين للاستهلاك خلال الشتاء".
وتراجعت العملة الموحدة بنسبة 0.4٪ اليوم الأربعاء لتصل إلى 0.9998 دولار. وجاء الانخفاض الأخير بعد أن أظهرت بيانات تسارع التضخم الأمريكي بأكثر من المتوقع، مما عزز المراهنات على زيادات الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة. وتعافت العملة مرة أخرى لتتداول عند حوالي 1.003 دولار في الساعة 2:40 مساءً بتوقيت لندن.
ولم يصاحب دوامة الهبوط هذا العام الشكوك الوجودية التي طغت على اليورو عندما تهاوى خلال بدايته في أوائل هذا القرن، أو عندما استمرت أزمة الدين السيادي قبل عشر سنوات. رغم ذلك، لا تزال تمثل مشكلة للبنك المركزي الأوروبي.
كما أنها تمثل مشكلة للمستهلكين في الاقتصاد البالغ حجمه 12 تريليون يورو، بتغذية زيادات حادة في التضخم الذي خرج بالفعل عن السيطرة، مع ارتفاع الأسعار بوتيرة قياسية قريبة من 9٪.
وكان الانخفاض سريعًا بشكل لا يصدق، نظرًا لأن اليورو كان يتداول بالقرب من 1.15 دولار في فبراير. والملفت بشكل أكبر إذا أخذنا في الاعتبار أنه قبل أقل من عامين كان صانعو السياسة في البنك المركزي الأوروبي قلقين بشأن القوة المفرطة لليورو التي تؤدي إلى ضعف التضخم. الآن يواجهون عالماً مختلفاً: هبوط دراماتيكي في عملتهم وارتفاع أسعار المستهلكين.
وأشار بعض صانعي السياسة في البنك المركزي الأوروبي بالفعل إلى أن ضعف العملة يشغل أذهانهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتضخم المستورد. وفي وقت سابق من اليوم الأربعاء، قال صانع السياسة فرانسوا فيليروي دي جالو إن البنك المركزي يراقب انخفاض اليورو بسبب تأثيره على أسعار المستهلكين.
وقال متحدث باسم البنك المركزي الأوروبي يوم الأربعاء "لا يستهدف البنك المركزي الأوروبي سعر صرف معين". "ومع ذلك، فنحن دائمًا منتبهون لتأثير سعر الصرف على التضخم، بما يتماشى مع تفويضنا الخاص باستقرار الأسعار".
وبالإضافة إلى التهديد المزدوج للتضخم والركود، يتعامل البنك المركزي الأوروبي أيضًا مع خطر تباين تكاليف الاقتراض السيادية بشكل كبير أثناء سحب التحفيز. وبعد أن قفزت عوائد السندات الإيطالية الشهر الماضي، بدأت المؤسسة التي مقرها فرانكفورت العمل على أداة لمنع اندلاع أزمة ديون أخرى في المنطقة.
وهبوط اليورو هذا العام هو مجرد جزء واحد من قصة عالمية لهيمنة الدولار. هناك طلب على العملة الأمريكية هذا العام كملاذ استثماري آمن، مدفوعًا بارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وكانت هناك تكهنات بأن هذا الصعود قد يحفز صانعي السياسة عالميا على التدخل لإضعافه في مرحلة ما.
وفي اجتماع في طوكيو يوم الثلاثاء، قالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ووزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي إن أسعار الصرف المتقلبة تشكل خطرًا، وتعهدا بالتشاور و"التعاون كما يلزم بشأن قضايا العملة". وقد انخفض الين إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار منذ عام 1998.
في نفس الاثناء، عانت العملة الموحدة بشكل خاص بسبب قرب أوروبا من حرب أوكرانيا واعتمادها على واردات الطاقة من روسيا.
والسياسة النقدية هي أيضًا قوة دافعة، بالنظر إلى أن البنك المركزي الأوروبي بطيء في الانضمام إلى هذا النوع من التشديد الجريء للسياسة النقدية الذي يحدث في أماكن أخرى. في نفس الوقت، أدت الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي إلى تقوية الدولار، وخلق فارق في معدلات الفائدة من شأنه أن يبقي الضغط على العملة الموحدة.
ويتوقع جوردان روتشستر، الخبير الاستراتيجي في نومورا إنترناشونال، تراجع العملة إلى 95 سنتًا أمريكيًا. فيما يرى سيتي جروب أن ينخفض اليورو إلى ما دون هذا المستوى إذا قطعت روسيا صادرات الغاز إلى أوروبا. وقالت كيت جوكز من سوستيه جنرال في وقت سابق من هذا الشهر إن اليورو "لا يزال غير قابل للشراء فعليًا هذا الصيف".
وشهد اليورو، الذي أصبح الآن عملة 19 دولة وحوالي 340 مليون شخص، تقلبات كثيرة من صعود وهبوط منذ أن بدأ طرحه في عام 1999. ودفعت نوبة من الضعف في أيامه الأولى إلى النزول إلى ما دون 85 سنتًا مقابل الدولار وأدت إلى تساؤلات حول الجدوى منه وتنبؤات متشائمة بزواله.
في النهاية، قام البنك المركزي الأوروبي، إلى جانب بنوك مركزية رئيسية أخرى من مجموعة الدول السبع، بتدخل مفاجئ لدعم اليورو في عام 2000.
وأفسح تراجع اليورو في البداية المجال لفترة من الصعود، حيث وصلت العملة في وقت ما إلى 1.60 دولار في عام 2008. وقد نُظر إلى هذه القوة على أنها مدمرة للاقتصاد، وألقى السياسيون في منطقة اليورو باللوم عليها في إلحاق الضرر بالشركات. ومن بين تلك الأصوات كانت وزيرة المالية الفرنسية في ذلك الوقت، كريستين لاجارد.
وضعف اليورو مرة أخرى مع استمرار الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ثم دخل فترة من التقلبات حيث أدت أزمة الدين السيادي في أوروبا إلى إحداث فوضى. ومرة أخرى، كان مستقبل اليورو موضع شك وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض ومساعدات إنقاذ للدول المثقلة بالديون وركود وبطالة قياسية. في ذلك الوقت، شبه رئيس البنك المركزي الأوروبي آنذاك ماريو دراجي اليورو بالنحلة الطنانة - "لغز الطبيعة" التي لا ينبغي لها أن تكون قادرة على الطيران، ولكن يمكنها ذلك.
بمجرد مرور المرحلة الأسوأ ما تلك الأزمة، استمر البنك المركزي الأوروبي في التحفيز، مما حد من الاتجاه الصعودي للعملة. بعد ذلك، بدءًا من منتصف عام 2021، بدأ اليورو في الانزلاق تدريجيا نحو مستوى التعادل.
وبينما يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يرفع أسعار الفائدة بحدة لدعم اليورو الآن - وهو المبرر المنطقي الذي استخدمه عضو مجلس محافظي البنك روبرت هولزمان لتبرير زيادة سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية- قد تكون حريته مقيدة بالتوقعات الاقتصادية الأكثر تشاؤما. وفي استطلاع أجرته بلومبرج هذا الشهر، قدر الاقتصاديون خطر حدوث ركود في منطقة اليورو بنسبة 45٪، ارتفاعًا من 30٪ في يونيو.
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.