Login to your account

Username *
Password *
Remember Me

Create an account

Fields marked with an asterisk (*) are required.
Name *
Username *
Password *
Verify password *
Email *
Verify email *
Captcha *
Reload Captcha

بلومبرج: إردوغان أنقذ تركيا وإرتقى بمستوى المعيشة. إذن، ما الذي يحدث؟

By أيار 20, 2018 604

يفهم العالم أخيرا ما كان يقوله المشككون في تركيا طوال الوقت.

لأغلب السنوات الستة العشر الماضية، قدم الزعيم التركي رجب طيب إردوغان، الذي وصف نفسه بالمُصلح الاقتصادي والآمل الكبير للعالم في نظام ديمقراطي إسلامي، رواية مقنعة—ولأغلب الوقت صدقها الجميع عدا الحرس القديم لتركيا الممثل في المؤسسة العلمانية والمليارديرات والجنرالات والنخب المثقفة التي خسرت إحتكارها للسلطة والثروة والنفوذ.

ولم تكن المؤسسة القديمة ترعى بشكل جيد باقي شرائح المجتمع أو الاقتصاد. وعندما فاز حزب إردوغان بإكتساح في انتخابات عام 2002 متعهدا بفتح الأسواق وتحرير المؤسسات، كان الاقتصاد التركي في وضع خطير تطلب حزمة إنقاذ دولي تخطت 20 مليار دولار . وكانت قد إنهارت الليرة ومعها مجموعة من البنوك ومساعي من جانب الحكومة لإحتواء تضخم حاد.

وطالب الناخبون بالتغيير وحصلوا على ما أرادوا. ولأغلب سنوات إردوغان في الحكم، بدت تركيا تعيش عصرا ذهبيا. فكان التفاؤل ينبعث من إسطنبول، التي هي مفترق طرق عالمي على مر الزمان. وإنتشرت المطاعم والنوادي في كل مكان وبدا ان أحياء جديدة للفنون والحياة الليلية تظهر بين عشية وضحاها. وعاد الشباب الأتراك الذين تعلموا في الخارج لوطنهم بأعداد كبيرة لفتح شركات وجني ثروات. وإستضافت تركيا قمما دولية وأصبحت، بجانب إسبانيا، راعيا مشتركا لمسعى تدعمه الأمم المتحدة لإقامة حوار وتعاون دولي بين الثقافات والأديان. وكان الأمر مبهرا إلى حد عنده تعذر الزائر على الإعتقاد انه تحت حكم إردوغان، سيكون أمام المدينة أخيرا فرصة لتحقيق مقولة نابليون بونابرت: "إذا كان العالم دولة واحدة فقط، فإن إسطنبول ستكون عاصمتها". 

ولكن الأن يبدو ان الأتراك يواجهون ما لم يتمنونه. فبعد مسيرة جلبت أكثر من 220 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية وزادت الناتج المحلي الإجمالي بثلاثة أمثاله وأعادت التضخم إلى خانة الأحاد، يعاني الاقتصاد التركي من جديد-- وتعاني ديمقراطيته بشكل أكبر.

ومع إقتراب الدولة من انتخابات مبكرة يوم 24 يونيو، تنزلق الليرة ويبلغ التضخم ضعف المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي، وتعاني الشركات تحت وطأة ديون خارجية تزيد عن 300 مليار دولار. وهوى تصنيف تركيا على كل مؤشر تقريبا للحكم الديمقراطي. ولم يعد هناك حديث عن عملية سلام مع الانفصاليين الأكراد. وبسبب تعذر إلحاق الهزيمة به في الانتخابات، أصبح إردوغان أكثر استبدادا من أي وقت مضى وبات أسلوبه في القيادة شخصيا وتصادميا وغير متسامحا. وهو يحكم مستخدما قانون الطواريء منذ إنقلاب عسكري فاشل في صيف 2016 فسجن عدد صحفيين أكبر من أي دولة في العالم ووسع صلاحيات الرقابة لتشمل الإنترنت.

وبينما زادت مقاومة إردوغان للإنتقاد زادت أيضا ثقته في أرائه الشخصية. وسافر الرئيس البالغ من العمر 64 عاما إلى لندن في مايو للقاء مديرين تنفيذيين ومصرفيين ومستثمرين كانوا ينتظرون ان يسمعوا كلمات طمأنة تهديء مخاوفهم. لكن في المقابل هوت الليرة بعد رسالته العلنية الصريحة أنه يتوقع ان يتولى سيطرة أكبر على الاقتصاد بعد انتخابات يونيو، خاصة عندما يخص الأمر إستقلالية البنك المركزي التركي.

وفي مقابلة مع تلفزيون بلومبرج في لندن يوم 14 مايو، أكد إردوغان على وجهة نظره غير التقليدية بأن تخفيض أسعار الفائدة سيحل مشكلة التضخم في تركيا. وإنتقد من آن لأخر البنك المركزي على ضبط أسعار الفائدة الذي يقول أنه ساعد في تأجيج ارتفاع الأسعار وهي حجة تتنافى مع النظرة الاقتصادية التقليدية. وقال إردوغان خلال المقابلة التي استمرت 30 دقيقة "بالطبع بنكنا المركزي مستقل...لكن لا يمكن ان يحصل البنك على هذه الإستقلالية ويتجاهل الإشارات القادمة من الرئيس".

ومثل هذه الثقة في النفس ليست مستغربة من سياسي بنى لنفسه قصرا أكبر أربعة مرات من قصر فرساي في فرنسا ودافع عن تكلفته البالغة 615 مليون دولار بمقارنته بقصر بكينجهام. ومن هذا المقر الجديد توج فعليا الرئيس السابق لبلدية إسطنبول نفسه زعيما بلا منازع لدولة يقطنها 80 مليون نسمة. ومع إحكام إردوغان قبضته على الاقتصاد التركي، سيزداد أيضا الخطر على رخاء الدولة الذي استمر مدى السنوات الخمسة عشر الماضية مع نزوح المستثمرين وجيل من الشباب الأتراك الموهوبين.

ولم تكن الأمور أبدا هكذا. ففي سنوات ما بعد انتخابه رئيسا للوزراء، أراد المستثمرون من كل مكان المشاركة: حيث بإتباع نصائح صندوق النقد الدولي، حقق إردوغان الاستقرار  للاقتصاد وتلى ذلك تدفق في الأموال مما ساعد في تحقيق متوسط معدل نمو سنوي 5.8%. وفي 2005، بدأ الزعماء الأوروبيون مفاوضات مع تركيا على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي مما أعطي احتمال ان تصبح أول بلد عضو غالبيته مسلمة.

ولكن كانت الشكوك تسري في نفوس النخبة التي إنتفعت من النظام القديم. فبعد ان أزاحهم جيل جديد من البناءين والعاملين المترابطين، تهامس الحرس القديم بين أنفسهم أن الأمر مجرد تمثيلية. وأشاروا إن هذا السلطان الجديد يريد حقاً تركيع الجيش والسيطرة على القضاء وأسلمة الدولة. وحذروا من نظام ديني وشيك على غرار  إيران. وفي مقولة كثيرا ما يتم الاستشهاد بها  والتي لم يتضح أبدا مصدرها—لكن لم يتبرأ منها أبدا إردوغان—قال لأنصاره "الديمقراطية مثل السيارة. تركبها إلى وجهتك وبعدها تنزل منها".

وفي طريقه للفوز بالانتخابات على كل المستويات، الرئاسية والعامة والمحلية—الانتقادات من العلمانيين في المدن الكبرى جعلته فقط أكثر جاذبية لقاعدته المتدينة في المعاقل الرئيسية. لكن بدأت أسس معجزة إردوغان تتهاوى في اللحظة التي أدرك فيها السياسي المفرط الثقة أن الناس ترغب في نقل خلافاتهم معه إلى الشوارع.

وأدت الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين التي جرى انتخابها ديمقراطيا في مصر بعد انتفاضات الربيع العربي في 2011 إلى تغيير الطريقة التي ينظر بها إردوغان إلى المعارضة في دولته.

وفي مايو 2013 أشعلت خطة لتدمير مساحة خضراء بمساحة تسعة فدادين في وسط إسطنبول، المدينة التي عانت من أعمال البناء على مدى عشر سنوات، ما سيصبح معروفا باحتجاجات حديقة جيزي. وحتى لا يصبح ضحية لاحتجاجات شعبية، أمر إردوغان الشرطة بإستخدام القوة ضد مجموعة من أنصار البيئة. وهذا أتى بنتيجة عكسية وأثار حركة ضخمة شهدت مظاهرات تسعى لإسقاط إردوغان في كافة تقريبا المدن الكبرى في تركيا.

وبدلا من المُصلح القوي، نظر له العالم الأن على أنه حاكم منتقم أفعاله يفيض منها جنون العظمة. وقدمت حاشية إردوغان نظريات مؤامرة بشأن الاحتجاجات، واحدة منها زعمت ان ألمانيا هي من مولتها لأنها تشعر بالغيرة من مطار جديد في تركيا. وزعم مستشار إن أعداء إردوغان كانوا يحاولون قتله من خلال ما يعرف بالتحريك العقلي Telekinesis . واستعادت الشرطة حديقة جيزي لكن لم تعد تركيا كما كانت. وإقتربت نهاية سنوات العهد الذهبي.

وحل بديلا عن الشعور بالتفاؤل والإعتقاد بأن الأتراك من كل الأطياف والأيديولوجيات في قارب واحد، إنقسام حاد في الثقافة السياسية فاقم منه شعور بالاستياء سببه زعيمهم المتعنت. وجنح إردوغان بقوة نحو نسخة من القومية الإسلامية لم يكن يتصورها أحد قبل سنوات قليلة فقط. فقد رتب لإستحواذ حلفائه على مجموعات إعلامية كبيرة ودعم مدارس دينية وأمر بسجن أي أحد يظهر أقل بادرة على المعارضة. وحجب تويتر وفيس بوك ويوتيوب وويكيبديا. وأصبحت تركيا الأولى عالميا في عدد طلبات حجب محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي. ويختار  بعض الأتراك الرحيل بدلا من العيش في هذه الدكتاتورية الناشئة.

وبعد ذلك إندلعت توترات بين إردوغان وشركائه السياسيين—أتباع رحل دين يدعى فتح الله كولن الذي يعيش في منفى طوعي بولاية بنسلفانيا—في حرب سياسية مفتوحة. وتسربت العشرات من التسجيلات تزعم وجود فساد داخل أسرة إردوغان ومن أقرب معاونيه. ووصف إردوغان التحقيق الذي قاده ممثلو إدعاء منتمون لجماعة كولن بمحاولة انقلاب. وأمر بإلقاء القبض على ضباط شرطة ودفع ممثلي إدعاء للهرب وأجرى عملية تطهير للقضاء. وبحلول فبراير  2014، كان وزراء متهمون بتربح عشرات الملايين من الدولارات في مخطط لمساعدة إيران على التملص من العقوبات الأمريكية يصوتون في البرلمان لمنح أنفسهم سيطرة أكبر على القضاء. وتم وقف التحقيق لكن معه بدأت المعركة.

فلجأ أتباع كولن للعمل سرا لكنهم لم يذهبوا بعيدا. ففي يوليو 2016 شن فصيل من الضباط المنتمين لشبكة كولن إنقلابا فعليا وقصفوا البرلمان بطائرات تابعة لسلاح الجو وأغلقوا جسرا بالدبابات وقتلوا أكثر من 200 شخصا. وظهر إردوغان على التلفزيون عبر تطبيق هاتف محمول يدعو أنصاره للخروج إلى الشوارع وطالبهم بالبقاء فيها لأسابيع دون توقف.

وأضعفت عمليات التطهير التي تلت ذلك مؤسسات تركيا ووترت بشكل أكبر العلاقات مع شركائها الغربيين، أبرزهم ألمانيا والولايات المتحدة، لكل منهما مواطنون تم الزج بهم في السجون. وسُجن عشرات الألاف من الأتراك وفقد أخرون لا تحصى أعدادهم وظائفهم. وجرت مصادرة أو إغلاق مئات الشركات. وتكثفت حملة التضييق على الصحافة وحرية الرأي والتعبير.

وبالنسبة لإردوغان، دفعته هذه الخيانة إلى الإعتماد بشكل متزايد على حلقة مقربة من المستشارين والموظفين الذين مؤهلهم الرئيسي لشغل مناصبهم هو الولاء. وعندما زار مديرون من صندوقين استثماريين كبيرين أنقرة في وقت سابق من هذا العام، قالوا إنهم صُدموا من ان أصحاب الولاء السياسي أصبح لهم اليد الطولى على ذوي الخبرة والكفاءة في أهم جهات صناعة السياسات في الدولة حسبما قال خبير اقتصادي مطلع على هذه الزيارة. 

هيثم الجندى

خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية 

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.