
جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
تراجعت أسعار الذهب إلى أدنى مستوى في أسبوعين وسط مؤشرات على إحراز تقدم محتمل في محادثات التجارة بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى، ما قلّل من الطلب على المعدن كملاذ آمن، رغم استمرار المخاوف بشأن ضعف الاقتصادات العالمية.
وهبطت الأسعار بأكثر من 2% مع تقييم المستثمرين لتحسّن المعنويات في وول ستريت، بعد أن صرّح ممثل التجارة للرئيس دونالد ترمب بأنه يقترب من الإعلان عن الدفعة الأولى من الاتفاقات التجارية. وزاد التفاؤل أيضًا بعد تقارير أفادت بأن الولايات المتحدة تواصلت مع بكين عبر قنوات متعددة.
ورغم التراجع، لا يزال الذهب مرتفعًا بنسبة 23% منذ بداية العام، بعدما سجّل مستوى قياسيًا تجاوز 3500 دولار للأونصة الأسبوع الماضي، قبل أن يفقد بعض مكاسبه. وقد جاء هذا الارتفاع مدفوعًا في المقام الأول بإقبال المستثمرين على الذهب كملاذ آمن في ظل السياسات التجارية المتقلبة للرئيس ترامب، والتي أربكت الأسواق وأثارت مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي. كما ساهم الطلب المضاربي في الصين وعمليات الشراء من البنوك المركزية في دعم الأسعار.
وأظهرت بيانات صدرت يوم الأربعاء أن الاقتصاد الأمريكي انكمش في بداية العام للمرة الأولى منذ 2022، نتيجة تدفق غير مسبوق للواردات قبل فرض الرسوم الجمركية، ما دفع المتداولين إلى رفع رهاناتهم على أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة أربع مرات هذا العام لتجنّب الركود. ويُعتبر خفض أسعار الفائدة عادةً إيجابيًا للذهب لأنه لا يدرّ فائدة.
وينتظر المستثمرون الآن صدور تقرير الوظائف الشهري الأمريكي يوم الجمعة، الذي من المتوقع أن يسلط مزيدًا من الضوء على الآثار الأولية لسياسات ترامب التجارية على الاقتصاد.
وانخفض سعر الذهب بحلول الساعة 7:19 مساءً بتوقيت القاهرة بنسبة 2.2% إلى 3210 دولار للأونصة، في حين ارتفع مؤشر بلومبرج للدولار بنسبة 0.3%. كما تراجعت أسعار الفضة بأكثر من 1%، وانخفض البلاتين بشكل طفيف، بينما بقي البلاديوم دون تغيّر يُذكر.
انكمش نشاط التصنيع في الولايات المتحدة في أبريل بأكبر وتيرة له في خمسة أشهر، مع انكماش حاد في الإنتاج هو الأشد منذ عام 2020 وسط تراجع في الطلبات وتداعيات للرسوم الجمركية.
أظهرت بيانات صادرة الخميس عن معهد إدارة التوريد أن مؤشر نشاط المصانع تراجع بمقدار 0.3 نقطة ليصل إلى 48.7 نقطة. وتراجع مؤشر الإنتاج بأكثر من 4 نقاط ليستقر عند 44 نقطة. وهو وتشير القراءات دون الخمسين نقطة إلى انكماش. لكن شهدت أسعار المدخلات تسارعًا طفيفًا.
وتعكس هذه الأرقام الصعوبات التي يواجهها القطاع الصناعي في تحقيق نمو مستدام، في وقت تؤدي فيه الرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين المحيطة بسياسات التجارة إلى تعطيل خطط التوسع. والطلبات الجديدة تراجعت للشهر الثالث على التوالي، فيما انخفضت الأعمال المتراكمة بوتيرة متسارعة، وهو ما يشير إلى ضعف مستمر في الطلب.
وبينما سجلت 11 صناعة نمواً في أبريل – تتصدرها صناعات الملابس والمنتجات البترولية والبلاستيك والمطاط – شهدت ست صناعات أخرى انكماشاً.
كما أظهر التقرير أن "استراتيجية الاستيراد المسبق" لتفادي الرسوم الجمركية شارفت على نهايتها، إذ سجّل مؤشر الواردات تراجعًا هو الأسرع منذ نهاية عام 2023.
إلى جانب التباطؤ في الطلب، يواجه المنتجون أيضاً ضغوطاً من ارتفاع تكاليف الإنتاج. فقد ارتفع مقياس أسعار المواد الخام إلى أعلى مستوى له منذ يونيو 2022، رغم انخفاض أسعار الطاقة.
وقال تيموثي فيوري، رئيس لجنة مسح الأعمال الصناعية لدى المعهد، في بيان: "تراجعت الطلبات والإنتاج، واستمر خفض أعداد الموظفين، بينما تتعامل الشركات مع بيئة اقتصادية مجهولة. وقد أدى تسارع نمو الأسعار بسبب الرسوم الجمركية إلى تراكم الطلبات غير المنفذة وتأخير عمليات التسليم من الموردين وزيادة المخزون الصناعي."
ويُعزى استمرار تراجع التوظيف في قطاع التصنيع – للشهر الثالث على التوالي – إلى ضعف الطلب والإنتاج، وتراجع الأعمال غير المنجزة. ومن المتوقع أن تُظهر بيانات حكومية تصدر الجمعة أن عدد الوظائف في قطاع التصنيع تراجع خلال أبريل، للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر.
توصلت الولايات المتحدة وأوكرانيا إلى اتفاق بشأن الوصول إلى الموارد الطبيعية في أوكرانيا، مما وفر قدراً من الطمأنينة للمسؤولين في كييف، الذين كانوا يخشون من أن الرئيس دونالد ترامب قد يسحب دعمه في محادثات السلام مع روسيا.
وينص الاتفاق على منح الولايات المتحدة أولوية الوصول إلى مشاريع استثمارية جديدة لتطوير موارد أوكرانيا الطبيعية، بما في ذلك الألمنيوم والجرافيت والنفط والغاز الطبيعي. ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه أمر حاسم لتعزيز حسن النية لدى ترامب، في الوقت الذي تسعى فيه إدارته إلى إنهاء الحرب التي بدأت قبل أكثر من ثلاث سنوات حينما شنت روسيا غزواً شاملاً لأوكرانيا.
وقال وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، في بيان: "هذا الاتفاق يوجّه رسالة واضحة إلى روسيا مفادها أن إدارة ترامب ملتزمة بعملية سلام تركز على أوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة على المدى الطويل". وأضاف: "ولن يُسمح لأي دولة أو فرد موّل أو زوّد آلة الحرب الروسية بالاستفادة من إعادة إعمار أوكرانيا".
من جهتها، نشرت وزيرة الاقتصاد الأوكرانية، يوليا سفيريدينكو، منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي قالت فيه: "نحن والولايات المتحدة نؤسس صندوقاً سيجذب الاستثمارات العالمية إلى بلدنا".
وفي فعالية جماهيرية نظّمتها شبكة نيوز نيشن NewsNation مساء الأربعاء، قال ترامب إنه أخبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عندما التقيا خلال جنازة البابا فرانسيس في الفاتيكان الأسبوع الماضي، بأن "من الجيد جداً أن نتوصل إلى اتفاق توقع عليه".
أنهى حفل توقيع الاتفاق يوم الأربعاء أسابيع من مفاوضات شائكة، وأنقذ العلاقات بين البلدين من هوة خلاف حاد. وكان زيلينسكي قد زار واشنطن في فبراير لتوقيع اتفاق الموارد، لكنه غادر خالي الوفاض بعد مشادة كلامية مع ترامب ونائب الرئيس جيه دي فانس داخل المكتب البيضاوي وأمام عدسات الكاميرات.
وجاء التوصل إلى الاتفاق بالتزامن مع مرور 100 يوم على بدء ولاية ترامب الحالية، وسط ضغوط متزايدة لتحقيق إنجازات، في وقت أظهرت فيه استطلاعات الرأي تراجع شعبيته، خاصة بسبب القلق من سياساته الاقتصادية. كما يشعر ترامب بالإحباط حيال عدم تمكنه من تنفيذ وعوده بحل الصراعين في أوكرانيا وغزة بسرعة.
وأثار تركيز ترامب على موارد أوكرانيا تساؤلات حول ما تمتلكه البلاد فعلياً. فعلى الرغم من وصفه الاتفاق سابقاً بأنه "صفقة معادن نادرة"، لا تملك أوكرانيا احتياطيات كبيرة من هذه المعادن معترف بها دولياً على أنها مجدية اقتصادياً. لكنها تُعد منتجاً رئيسياً للفحم وخام الحديد واليورانيوم والتيتانيوم والمغنيسيوم – وهي قطاعات قد تكون مربحة للولايات المتحدة.
وبموجب شروط الاتفاق، ستحصل الولايات المتحدة على أولوية في الأرباح التي تُحوّل إلى صندوق استثمار خاص بإعادة الإعمار، تتم إدارته بشكل مشترك بين البلدين. ويهدف الاتفاق جزئياً إلى تعويض الولايات المتحدة عن المساعدات العسكرية المستقبلية المقدّمة لأوكرانيا. وسيتم تمويل الصندوق من 50% من عائدات التراخيص الجديدة في مشاريع المواد الأساسية والنفط والغاز.
كما اعترفت واشنطن برغبة كييف في تجنّب أي تعارض بين هذا الاتفاق وخطط انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يُعدّ خطاً أحمر لطالما تمسكت به كييف.
ولا تزال هناك أسئلة كثيرة حول مدى استمرار الدعم الأمريكي في المستقبل، بما في ذلك ما إذا كان ترامب سيرسل المزيد من الأسلحة والذخيرة التي تعتمد عليها أوكرانيا في قتالها ضد روسيا. وعلى الرغم من أن الاتفاق لا يتضمن أي ضمانات أمنية مباشرة من الولايات المتحدة، فقد قالت سفيريدينكو عبر وسائل التواصل الاجتماعي إنه "يؤكد التزام الولايات المتحدة بأمن أوكرانيا وتعافيها وإعادة إعمارها".
وكانت إدارة ترامب قد علّقت لفترة وجيزة تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا عندما فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق بشأن الموارد الطبيعية في فبراير. وقال تشارلز ليتشفيلد، نائب مدير مركز الجغرافيا الاقتصادية التابع لمجلس الأطلسي في واشنطن: "أي خطوة إيجابية، وأي شيء يُبقي الولايات المتحدة منخرطة، يستحق الترحيب".
وكان رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، قد صرّح بأن واشنطن تراجعت عن إصرارها السابق على أن يتضمن الاتفاق بنداً لسداد المليارات من المساعدات التي قدمتها منذ بدء الغزو الروسي. وقد اعتُبر ذلك إنجازاً، خاصة أن ترامب كان قد طالب في وقت سابق بما يعادل 500 مليار دولار من المعادن النادرة.
الاهتمام الآن سينتقل إلى مفاوضات السلام. فقد التقى مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الأسبوع الماضي، لكنه لم يتمكن حتى الآن من تأمين وقف إطلاق نار دائم.
وفي تطور ميداني، شنّت روسيا هجمات على ست مناطق أوكرانية ليلًا باستخدام 170 طائرة مسيّرة، استهدفت 21 منها مدينة أوديسا على البحر الأسود، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 15 آخرين، بحسب جهاز الطوارئ الأوكراني.
وأفاد مسؤولون في البيت الأبيض أن ترامب بات يشعر بالإحباط المتزايد من كلا الجانبين – أوكرانيا وروسيا – لعدم توصلهما إلى اتفاق سلام، وهو ما وعد بتحقيقه في "اليوم الأول" من ولايته.
وهدّد ترامب بالتخلي عن جهود الوساطة إذا لم يتحقق تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، ما أثار مخاوف لدى حلفاء أوكرانيا من أن تُحمّل كييف مسؤولية انهيار المفاوضات. إلا أن صفقة الموارد تبدو وكأنها أعادت زيلينسكي وأوكرانيا إلى دائرة الرضا لدى ترامب – على الأقل في الوقت الراهن.
وقال ترامب في اجتماع لمجلس الوزراء بالبيت الأبيض يوم الأربعاء: "أبرمنا صفقة تضمن أموالنا، وتسمح لنا بالبدء في التنقيب والقيام بما يجب علينا فعله"، مضيفاً: "وهذا جيد لهم أيضاً، لأن وجود أمريكيين في مواقع العمل سيمنع الكثير من الأطراف السيئة من دخول البلاد، أو على الأقل من الاقتراب من المناطق التي نعمل فيها".
وكان مسؤولون أمريكيون وأوكرانيون قد وقعوا مذكرة نوايا في وقت سابق من أبريل، ثم واصلوا التفاوض بشأن التفاصيل الفنية للاتفاق. وبعدها التقى زيلينسكي بالرئيس الأمريكي وجهاً لوجه في الفاتيكان.
قال وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، إن سوق سندات الخزانة الأمريكية يرسل إشارة واضحة إلى أن على الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة.
وأضاف بيسنت في مقابلة مع قناة فوكس بيزنس: "نرى الآن أن عوائد السندات لأجل عامين أصبحت دون معدل فائدة الاحتياطي الفيدرالي، وهذه إشارة من السوق بأن على الفيدرالي أن يبدأ في الخفض".
وبلغت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين 3.57% في الساعة 9:11 صباحاً بتوقيت نيويورك (4:11 مساءً بتوقيت القاهرة)، مقارنة بمعدل الفائدة الرئيسي البالغ حالياً 4.33%، حيث يستهدف الاحتياطي الفيدرالي نطاقاً يتراوح بين 4.25% و4.5%.
لكن صانعي السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي أشاروا إلى أنهم غير مستعدين بعد لاستئناف خفض الفائدة، في ظل استمرار معدلات التضخم فوق المستوى المستهدف عند 2%، ومع الضغوط المتوقعة على الأسعار نتيجة الزيادات الجمركية التي أقرها الرئيس دونالد ترامب. من المقرر أن يتخذ الفيدرالي قراره المقبل بشأن سعر الفائدة في 7 مايو، ويتوقع أغلب الاقتصاديين أن يُبقي عليها دون تغيير.
وكان ترامب قد وجّه انتقادات متكررة لرئيس الفيدرالي جيروم باول لعدم خفضه أسعار الفائدة هذا العام، قائلاً يوم الثلاثاء: "لدي مسؤول في الفيدرالي لا يقوم بعمل جيد حقاً".
عوائد السندات لأجل 10 سنوات
ورغم تركيز ترمب المستمر على سعر الفائدة الرئيسي للفيدرالي، والذي هو معدل لليلة واحدة، أشار بيسنت إلى أن الرئيس يركّز في الواقع على عوائد السندات لأجل 10 سنوات – "نستهدف ذلك الجزء من منحنى العائد".
ولفت وزير الخزانة إلى أن عوائد السندات لأجل 10 سنوات انخفضت منذ تولي ترامب منصبه، إذ بلغت نحو 4.15% اليوم الخميس، مقارنة بـ4.63% في 20 يناير. ومن جانبه، قال مدير المجلس الاقتصادي الوطني، كيفن هاسيت، في مقابلة مع شبكة سي إن بي سي، إن انخفاض العوائد "يوفر على الحكومة الفيدرالية الكثير من الأموال من حيث تكاليف الفائدة".
وأضاف هاسيت: "لماذا تنخفض عوائد سندات الخزانة؟ لأن الناس يدركون أننا لن نشهد انفجاراً تضخمياً في الإنفاق كما حدث في الإدارة السابقة".
وجدّد بيسنت توقعه بأن "فجوة" الشكوك المتعلقة بالرسوم الجمركية ستضيق بمرور الوقت مع التوصل إلى اتفاقيات تجارية. وأشار إلى أنه رغم العناوين المثيرة التي تصدرت الصحف خلال شهر أبريل عن موجات بيع حادة في الأسهم، فإن الأسواق أنهت الشهر دون تغييرات تُذكر.
"خذوا نفساً عميقاً"
وقال بيسنت: "شهد السوق رحلة متقلبة مذهلة في أبريل"، مضيفاً: " سيكون الأمر مجزياً عندما نصل إلى نهاية الطريق، وعلى المدى القصير أعتقد أن الجميع يحتاج لأخذ نفس عميق".
وبخصوص تسلسل الاتفاقيات التجارية، لمح بيسنت إلى إمكانية اتخاذ خطوة أولية مع الصين قبل التوصل لاتفاقات مع حلفاء وشركاء أمريكا في آسيا. وأوضح أنه في ظل الرسوم الجمركية المرتفعة الحالية، هناك ما يشبه "الحظر التجاري" مع الصين، ما يعني أن التفاهم مع بكين سيتطلب عملية متعددة المراحل.
واختتم قائلاً: "ربما يكون من الضروري أن تبادر الصين بتخفيف التصعيد قبل التوصل لاتفاقات مع دول أخرى"، موضحاً: "نحن الآن على أعتاب موسم الأعياد – والطلبات المتعلقة به يتم تقديمها في هذا التوقيت، وإن لم تُقدّم تلك الطلبات، فقد يكون لذلك أثر مدمر على الاقتصاد الصيني".
بعد وقت قصير من الترحيب بأعضاء جدد، بدأ تكتل بريكس يعاني من نفس المشكلة التي تؤرق المؤسسات الأخرى متعددة الأطراف حول العالم: عدم التوافق بين أعضائها حول قضايا محورية.
فشل وزراء خارجية الاقتصادات الناشئة الكبرى في التوصل إلى بيان توافقي في ختام اجتماع استمر يومين في ريو دي جانيرو، بعدما اعترض أعضاء جدد على أجزاء من خطة سابقة لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بحسب بيان صادر عن البرازيل يوم الثلاثاء.
ووفقاً للبيان، رفضت مصر وإثيوبيا — وهما من أحدث المنضمين للتكتل الذي تم تسميته بالأحرف الأولى للأعضاء المؤسسين البرازيل وروسيا والهند والصين، ولاحقاً جنوب أفريقيا — دعم المجموعة لمسعى جنوب أفريقيا للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.
وكان أعضاء بريكس قد اتفقوا في قمة 2023 بجوهانسبرغ على دعم البرازيل والهند وجنوب أفريقيا لشغل مقاعد دائمة ضمن مسعى لتحديث الأمم المتحدة وجعلها أكثر تمثيلاً لما يُعرف بـ"الجنوب العالمي".
وزير الخارجية البرازيلي، ماورو فييرا، قال في مؤتمر صحفي إن المجموعة تسعى لتجاوز هذه الخلافات، مشيراً إلى إمكانية التوصل إلى توافق خلال قمة القادة المرتقبة في يوليو.
لكن الخلاف الأولي يلقي بظلال سلبية على طموحات بريكس لتعزيز نفوذها عالمياً وملء الفراغ الذي تتركه المؤسسات متعددة الأطراف التقليدية، والتي طالما عانت من الشلل وغياب التوافق.
حتى قبل توسعها، كثيراً ما واجهت دول بريكس صعوبات في التوافق على الأهداف النهائية للمجموعة التي تأسست قبل نحو عقدين. ومع ذلك، فإن الحاجة لإصلاح مجلس الأمن ومؤسسات دولية أخرى لطالما كانت من نقاط الالتقاء بين دول تسعى لتوسيع نفوذ الدول النامية في نظام عالمي يهيمن عليه الغرب وواشنطن.
ومع انقلاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذا النظام منذ عودته للبيت الأبيض في يناير، برزت أمام بريكس فرصة محتملة لتعزيز موقعها، خصوصاً وأنها تمثل اليوم نحو نصف سكان العالم و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ومنذ توليه المنصب، ينسحب ترامب من الساحة الدولية، عبر قرارات شملت الانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ، وتفكيك الوكالة الأمريكية الرئيسية للمساعدات الخارجية، بالإضافة إلى شن حرب تجارية أربكت الاقتصاد العالمي.
التجارة والرسوم الجمركية
وعلى الرغم من الانقسام حول قضايا أخرى، تمكن وزراء خارجية بريكس في اجتماعهم الأول منذ عودة ترامب من التوافق على صياغة تعارض الإجراءات الحمائية في التجارة العالمية، وهي إحدى أبرز النقاط على جدول الأعمال.
وجاء في البيان البرازيلي أن الوزراء أعربوا عن "قلقهم البالغ إزاء تنامي الإجراءات الحمائية الأحادية غير المبررة"، بما في ذلك "الزيادات العشوائية في الرسوم الجمركية المتبادلة والإجراءات غير الجمركية".
ورغم أن البيان تجنّب ذكر ترامب أو الولايات المتحدة بالاسم، إلا أن الصين كانت قد ألمحت قبل الاجتماع إلى رغبتها في استخدام المنصة للرد على واشنطن.
كما دعا البيان جميع الأطراف إلى "اتخاذ تدابير للدفاع عن التجارة الحرة والنظام التجاري المتعدد الأطراف، بما يسهم في مواجهة التحديات التجارية الحالية وتهيئة بيئة مواتية للتجارة والاستثمار للجميع".
واتفق التكتل أيضاً على صياغة تدعم النهج التعددي في التعامل مع قضايا من بينها الحروب الجارية وتغيّر المناخ.
استقر مؤشر التضخم الذي يفضله الاحتياطي الفيدرالي دون تغيير في مارس للمرة الأولى منذ ما يقرب من عام، فيما كان إنفاق المستهلك قوياً، في استراحة مرحّب بها قبل أن تتسبب الرسوم الجمركية في رفع واسع للأسعار.
وبحسب بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الصادرة يوم الأربعاء، لم يشهد مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي أي تغيير مقارنة بفبراير. كما ظل المؤشر الأساسي — الذي يستثني الغذاء والطاقة — مستقراً أيضاً، في ابطأ وتيرة له منذ نحو خمس سنوات.
وارتفع الإنفاق الاستهلاكي المعدّل حسب التضخم بنسبة 0.7% الشهر الماضي، بعد تعديل بالرفع لبيانات فبراير، ما يشير إلى أن الأسر سارعت إلى الإنفاق تحسباً للرسوم الجمركية الجديدة.
وتُكمل هذه البيانات صورة الربع الأول، الذي شهد انكماش الاقتصاد الأمريكي للمرة الأولى منذ عام 2022، وسط قفزة في الواردات سبقت فرض الرسوم وتراجع نسبي في الإنفاق الاستهلاكي. كما أظهر تقرير صدر في وقت سابق من يوم الأربعاء أن التضخم الأساسي بحسب مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي تسارع إلى 3.5% على أساس سنوي في الربع الأول — وهي أعلى وتيرة خلال عام.
وظل مؤشر اس آند بي 500 للأسهم الأمريكية منخفضاً، فيما تأرجحت سندات الخزانة والدولار.
ويُشير اقتران تباطؤ التضخم بقوة الإنفاق إلى أن الاقتصاد كان في وضع جيد قبل بدء التأثير الكامل للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب. ويتوقع معظم الاقتصاديين أن تؤدي هذه السياسات التجارية إلى إعادة إشعال الضغوط التضخمية، مما قد يثني المستهلكين عن الإنفاق.
انكمش الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول لأول مرة منذ 2022 وسط قفزة في الواردات قبل فرض الرسوم الجمركية وتراجع في الإنفاق الاستهلاكي، في أول لمحة عن التداعيات المترتبة على سياسة الرئيس دونالد ترامب التجارية.
وأظهرت التقديرات الأولية التي نشرتها الحكومة يوم الأربعاء أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل حسب التضخم) تراجع بمعدل سنوي قدره 0.3% خلال الربع الأول، وهو أقل بكثير من متوسط النمو البالغ نحو 3% خلال العامين الماضيين.
تسلط البيانات الضوء على اندفاع الشركات لتأمين البضائع قبل تطبيق الرسوم الجمركية، حيث اقتطع صافي التجارة نحو 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي، وهي النسبة الأكبر على الإطلاق، وفقاً لتقرير مكتب التحليل الاقتصادي. كما ساهم انخفاض الإنفاق الحكومي الفيدرالي في تراجع الناتج.
أما الإنفاق الاستهلاكي — الذي يمثل نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي — فقد سجل نمواً بنسبة 1.8%، وهو الأضعف منذ منتصف عام 2023، إلا أنه لا يزال أفضل من توقعات الاقتصاديين. وساعدت وتيرة نمو إنفاق الشركات على المعدات — وهي الأسرع منذ 2020 — في الحفاظ على متانة الطلب الأساسي داخل الاقتصاد.
ومباشرة بعد صدور هذه الأرقام، تراجعت العقود الآجلة للأسهم، وارتفعت عوائد السندات الأمريكية.
وقد أظهرت البيانات أن الواردات قفزت بمعدل سنوي قدره 41.3%، وهي الزيادة الأكبر منذ نحو خمس سنوات. ونظراً لأن هذه السلع والخدمات لا تُنتج داخل الولايات المتحدة، فإنها تُخصم من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع الاقتصاديون أن يتقلص هذا العجز التجاري الحاد خلال الربع الثاني.
وفي ظل استمرار عدم اليقين، يتوقع العديد من الخبراء أن تؤدي الرسوم الجمركية المرتفعة إلى صدمة معروض، ما يشكل تحديات أمام الشركات ويدفع الطلب للتراجع. كما يشعر المستهلكون بالقلق من تأثير الرسوم على سوق العمل وارتفاع تكاليف المعيشة.
وتشير التوقعات الحالية إلى وجود احتمالات متساوية تقريباً لدخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود خلال العام المقبل.
وعادة ما تُوجه البضائع المستوردة إلى المخازن أو مباشرة إلى المتاجر، لكن التقرير أظهر أن المخزونات التجارية أضافت 2.25 نقطة مئوية إلى الناتج المحلي خلال الربع السنوي، وهي الأعلى منذ نهاية عام 2021. وقد تظهر هذه الواردات في الأشهر المقبلة على شكل زيادات في المخزونات، ما قد يرفع من نمو الناتج في الربع الثاني، إلى جانب تقلص العجز التجاري.
ونظراً لأن تقلبات التجارة والمخزونات يمكن أن تُشوه قراءة الناتج المحلي، يفضل الاقتصاديون التركيز على "المبيعات النهائية للمشترين المحليين من القطاع الخاص" كمؤشر أدق للطلب الحقيقي، والذي سجل نمواً بنسبة 3% خلال الربع الأول، مقارنة بـ 2.9% في نهاية عام 2024.
وساهم في نمو الإنفاق الاستهلاكي ارتفاع واسع في الإنفاق على الخدمات، إلى جانب انتعاش في شراء السلع غير المعمرة.
في المقابل، أظهرت عدة استطلاعات تراجعاً حاداً في ثقة المستهلكين، ما يثير الشكوك حول قدرة الأسر على الاستمرار في دعم الاقتصاد. ويواجه المستهلكون ذوو الدخل المنخفض ضغوطاً شديدة بسبب ارتفاع الأسعار، بينما يعاني الأثرياء من تراجع أسعار الأسهم هذا العام.
وسجل الاستثمار التجاري في المعدات قفزة بنسبة 22.5% على أساس سنوي، مدعوماً بزيادة في شحنات الطائرات التجارية بعد انتهاء إضراب شركة بوينج، بالإضافة إلى نمو قوي في إنتاج معدات المعالجة المعلوماتية وأجهزة الكمبيوتر.
ويرى الخبراء أن الرسوم الجمركية قد تؤثر سلباً أيضاً على الإنفاق الرأسمالي، وقد أقرّت العديد من الشركات خلال موسم إعلان الأرباح الحالي بأن التحديات التي تواجه المستهلكين في طريقها للتفاقم.
ومن بين الشركات التي أشارت إلى ضعف في الإنفاق غير الأساسي وتراجع مبيعات السلع عالية القيمة: شركة البيع بالتجزئةTractor Supply ومصنّعة الأجهزة المنزلية Whirlpool وقد تحدث عدد من التنفيذيين عن تدهور ثقة المستهلكين واحتمال اتباع نهج أكثر تحفظاً في الإنفاق.
كما أظهر تقرير الناتج المحلي أن الإنفاق الحكومي تراجع بنسبة 1.4%، في أول انخفاض منذ عام 2022، مدفوعاً بهبوط بنسبة 8% في الإنفاق الدفاعي، وذلك بعد أن أوقف ترامب مؤقتاً المساعدات العسكرية لأوكرانيا الشهر الماضي.
في غضون ذلك، تسارع أحد أبرز مؤشرات التضخم الأساسي إلى وتيرة سنوية قدرها 3.5% في الربع الأول — الأعلى منذ عام. ومن المقرر صدور بيانات أكثر تفصيلاً عن التضخم والإنفاق الاستهلاكي لشهر مارس في وقت لاحق اليوم.
وقد وضعت حالة الغموض بشأن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم والاقتصاد الأوسع الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب. وقد أشار صانعو السياسة النقدية إلى أنهم لا يعتزمون خفض أسعار الفائدة في المدى القريب، إلى حين وضوح أكبر لتأثير السياسات الجديدة للبيت الأبيض على الاقتصاد.
ورغم أن إدارة ترامب قامت بتجميد بعض الرسوم الأكثر حدة لمدة 90 يوماً، إلا أن معدل الرسوم الفعلي في البلاد بلغ الآن نحو 23% وهو الأعلى منذ أكثر من قرن، وفقاً لتقديرات بلومبرج ايكونوميكس. كما أضيف إلى هذا الغموض استثناءات جديدة لبعض الرسوم المعلنة سابقاً.
وترى الإدارة أن الرسوم الجمركية وسيلة لإحياء الصناعة الأمريكية وتحفيز نمو الصادرات وتقليص العجز التجاري وزيادة إيرادات الدولة وتعزيز الأمن القومي.
ومن المنتظر أن يصدر تقرير الوظائف الشهري الحكومي يوم الجمعة، وسط توقعات تشير إلى أن وتيرة التوظيف بدأت في التباطؤ. وكان تقرير نُشر يوم الأربعاء قد أظهر أن التوظيف في الشركات الخاصة ارتفع بـ62 ألف وظيفة فقط خلال أبريل — وهو أضعف نمو منذ يوليو، بحسب شركة ADP Research.
وفي تقرير منفصل، أظهرت بيانات تكلفة العمالة ارتفاعاً بنسبة 0.9% في الربع الأول، وهي نفس الزيادة المسجلة في نهاية عام 2024.
انخفضت أعداد الوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى منذ سبتمبر في مؤشر على ضعف الطلب على العمالة وسط عدم يقين اقتصادي متزايد.
تراجعت أعداد الوظائف الشاغرة الأمريكية خلال مارس إلى 7.19 مليون وظيفة مقارنة بـ7.48 مليون في فبراير، وفقًا لبيانات مكتب إحصاءات العمل الصادرة يوم الثلاثاء. يقترب هذا الرقم من أدنى مستوى تسجل منذ عام 2020، وأقل من جميع التقديرات في استطلاع بلومبرج للاقتصاديين.
ويشير هذا التراجع إلى ضعف في الطلب على العمالة، حيث يؤجل أرباب العمل خطط الإنفاق وسط حالة من عدم اليقين المتزايد بشأن سياسات الرئيس دونالد ترامب، خاصةً مع استمرار فرض الرسوم الجمركية الواسعة النطاق، والتي يرى العديد من الاقتصاديين أنها قد تبطئ النمو وتزيد من احتمالات الركود.
من المتوقع أن تصدر الحكومة يوم الأربعاء تقديرها الأولي للناتج المحلي الإجمالي للربع الأول، والذي يُتوقع أن يُظهر تباطؤًا ملحوظًا. كما يُنتظر تقرير التوظيف لشهر أبريل يوم الجمعة، حيث تشير التوقعات إلى تباطؤ ملحوظ في نمو الوظائف مع استقرار معدل البطالة.
على الرغم من هذه المؤشرات السلبية، أظهرت أجزاء أخرى من التقرير بعض الإيجابية؛ حيث انخفض عدد حالات تسريح عاملين إلى أدنى مستوى منذ يونيو، وظلت معدلات التوظيف مستقرة. كما ارتفع معدل الاستقالات الطوعية إلى أعلى مستوى منذ يوليو، مما قد يشير إلى ثقة بعض العمال في سوق العمل.
حتى الآن، كانت جهود الرئيس دونالد ترامب في تقليص حجم الحكومة الفيدرالية هي العامل الأكثر وضوحًا في تأثيره على سوق العمل. فقد تضاعفت إعلانات تسريح الموظفين ثلاث مرات خلال شهر مارس مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ويُعزى ذلك في الغالب إلى إجراءات اتخذتها "وزارة الكفاءة الحكومة"، وفقًا لشركة "تشالنجر غراي آند كريسماس" المتخصصة في خدمات التوظيف وإعادة الهيكلة. ومن المتوقع صدور حصيلة تسريحات أبريل يوم الخميس.
موقف الاحتياطي الفيدرالي
رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، لا يزال يصف سوق العمل بأنه في "وضع جيد"، ومن المتوقع أن يُبقي المسؤولون على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماع السياسة النقدية الأسبوع المقبل. وأكد باول مؤخرًا على ضرورة السيطرة على التضخم لضمان تحقيق الحد الأقصى من التوظيف — وهي أولوية أساسية، خصوصًا مع توقّع واسع النطاق من صانعي السياسات والاقتصاديين بأن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، مما يعزز المخاوف من حدوث ركود.
وانخفض عدد الوظائف الشاغرة لكل عاطل عن العمل — وهو مقياس تراقبه الفيدرالي عن كثب كمؤشر على توازن العرض والطلب في سوق العمل — إلى 1.0، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر. وكان هذا المعدل قد بلغ ذروته عند 2 إلى 1 في عام 2022.
وقد شكك بعض الاقتصاديين في دقة بيانات تقرير فرص العمل (JOLTS)، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انخفاض معدل الاستجابة في المسح والتعديلات الكبيرة التي تطرأ على الأرقام. وبالمقابل، أظهر مؤشر مماثل صادر عن موقع التوظيف "إنديد" — والذي يتم تحديثه يوميًا — انخفاضًا في الوظائف المتاحة خلال مارس.
وفي بيانات منفصلة صدرت الثلاثاء، ظهرت مؤشرات إضافية على ضعف اقتصادي؛ فقد تراجعت ثقة المستهلك الأمريكي في أبريل للشهر الخامس على التوالي — في أطول سلسلة تراجع منذ عام 2008. كما اتسع العجز التجاري الأمريكي في السلع بشكل غير متوقع خلال مارس إلى مستوى قياسي، مع استمرار الشركات في استيراد السلع لاستباق الرسوم الجمركية، مما دفع بعض الاقتصاديين إلى خفض توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي.
اتسع عجز تجارة السلع بشكل غير متوقع في مارس ليبلغ مستوى قياسيًا، مع تسارع الشركات في استيراد البضائع لاستباق الرسوم الجمركية،بما يشير إلى ضرر كبير تعرض له الاقتصاد في الربع الأول.
وأظهرت بيانات وزارة التجارة الأمريكية، الصادرة الثلاثاء، أن العجز التجاري في السلع ارتفع بنسبة 9.6% مقارنة بشهر فبراير، ليصل إلى 162 مليار دولار، وهو رقم تجاوز جميع توقعات المحللين في استطلاع أجرته بلومبرج. يُشار إلى أن هذه الأرقام غير معدّلة للتضخم.
وسجلت الواردات ارتفاعًا بنسبة 5% إلى 342.7 مليار دولار، مدفوعة بقفزة قياسية في السلع الاستهلاكية، إلى جانب زيادة في واردات السيارات والمعدات الرأسمالية. أما الصادرات فارتفعت بنسبة 1.2% فقط.
وتُظهر هذه الطفرة في الواردات ما يُعتقد أنه آخر موجة من اندفاع الشركات الأمريكية لتأمين السلع والمواد قبل سريان الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على واردات الصلب والألمنيوم في مارس، بالإضافة إلى التعريفات الأوسع التي تم الإعلان عنها مطلع أبريل.
ضغوط على النمو
دفعت هذه الأرقام بعض الاقتصاديين إلى خفض توقعاتهم للنمو الاقتصادي في الربع الأول، إذ تُحتسب الواردات كعامل سلبي في الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن اتساع العجز قد يؤدي إلى بيانات نمو أضعف عند صدور التقدير الأولي للناتج المحلي يوم الأربعاء.
ووفقًا لاستطلاع بلومبرغ، فإن التوقعات تشير إلى نمو طفيف بنسبة 0.3% في الناتج المحلي الإجمالي، وهو أبطأ معدل منذ عام 2022.
وقال كارل وينبرغ، كبير الاقتصاديين في "هاي فريكونسي إيكونوميكس"، في مذكرة: "أرقام التجارة تدعم تقديرنا بانكماش الناتج المحلي بنسبة 1.1%. بل وتشير إلى أن المخاطر تميل إلى الأسوأ".
أما ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين في "سانتاندير يو.إس كابيتال ماركتس"، فذهب إلى أبعد من ذلك، حيث خفّض توقعاته بنسبة نقطة مئوية كاملة، متوقعًا انكماشًا بنسبة 2.4%. ومع ذلك، أشار إلى أن عودة الواردات إلى مستوياتها الطبيعية في الربع الثاني قد تؤدي إلى انتعاش قوي في النمو.
سياسة الرسوم
والرسوم الجمركية تمثل حجر الزاوية في استراتيجية الرئيس ترامب لتحفيز الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات بهدف تقليص العجز التجاري ورفع إيرادات الحكومة وتعزيز الأمن القومي.
وقد أظهر تقرير مارس انخفاضًا في واردات المواد الصناعية مثل المعادن والبترول والخشب ومنتجات أخرى تُستخدم عادة في إنتاج سلع أخرى. ويشمل التقرير أيضاً واردات الذهب لأغراض الاستثمار.
ورغم أن البيانات لا توضح ما إذا كان الذهب قد أثر على أرقام الواردات، إلا أن جزءًا كبيرًا من اتساع العجز في بداية العام ارتبط بواردات سبائك الذهب. وسينتظر الاقتصاديون بيانات التجارة الأشمل في 6 مايو للحصول على مؤشرات أوضح حول هذا التغيير، إذ تُصنَّف واردات الذهب كـ"أشكال معدنية مكتملة".
يُذكر أن الذهب لغرض الاستثمار لا يُدرج في حساب الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. ومع ذلك، فإن نموذج التوقع "GDPNow" لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، قبل صدور أرقام مارس، توقع أن تقتطع التجارة نحو 3 نقاط مئوية من النمو، وهو ما يتماشى مع تدافع ما قبل فرض الرسوم على استيراد البضائع والمواد الخام.
بينما تتفاوض دول العالم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية، تعرض إيران، العدو التقليدي، اقتصادها الخاضع للعقوبات عليه كفرصة استثمارية.
مع ظهور مؤشرات على إحراز تقدم في المحادثات بين إيران والولايات المتحدة بشأن الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية، بدأ كبار المسؤولين الإيرانيين – ولأول مرة منذ عقود – في الترويج العلني لاقتصاد بلادهم أمام البيت الأبيض، بهدف التوصل إلى اتفاق نووي أكثر استدامة وفعالية. وإذا كان ترامب يسعى إلى صفقة أفضل من تلك التي انسحب منها عام 2018، فإن الإيرانيين يطالبون بالمثل.
السفير الإيراني البارز عباس عراقجي كتب في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي أن اتفاقًا نوويًا جديدًا قد يمنح الشركات الأمريكية فرصة دخول ما وصفه بـ"فرصة اقتصادية تريليونية" في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 90 مليون نسمة ويملك أحد أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم.
وقالت إيلي غيرانمايه، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية:
"الحديث عن فرصة تريليونية بدلاً من حرب تريليونية كارثية هو وسيلة لجذب ترامب إلى الصفقة."
تشبه هذه الاستراتيجية ما فعلته روسيا في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ورغم أن تحويل العلاقة بين واشنطن وطهران من عداء إلى تعاون اقتصادي يُعد طموحًا كبيرًا، إلا أن لذلك القدرة على حل صراع طال أمده وزعزع استقرار أمن الشرق الأوسط لعقود.
تفرض الولايات المتحدة عقوبات وحظرًا تجاريًا على طهران منذ أن قطعت العلاقات معها عقب الثورة الإسلامية عام 1979 وأزمة احتجاز الرهائن. وبصفتها دولة دينية، قدمت إيران نفسها كحصن منيع ضد النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وكان برنامجها النووي وسياساتها المعادية لإسرائيل مصدرين رئيسيين للتوتر.
وأشار عراقجي إلى أن البرنامج النووي الإيراني نفسه يمكن أن يصبح مجالًا للاستثمار الأمريكي، مؤكدًا أنه يمثل "عشرات المليارات من الدولارات من العقود المحتملة."
وفي تصريحات منفصلة على منصة إكس الأسبوع الماضي، قال:
"السوق الإيرانية وحدها كافية لإنعاش صناعة الطاقة النووية الأمريكية المتعثرة."
وردّ متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية على استفسار من بلومبرج قائلاً إن ترامب واضح بشأن أن إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا، مضيفًا أن من غير المصلحة الوطنية التفاوض علنًا بشأن هذه القضايا.
كما قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي: "نحن لا نؤكد أو ننفي تفاصيل المفاوضات الجارية."
ورغم تشدده السابق، عبّر ترامب عن رأيه في إمكانيات الاقتصاد الإيراني. ونقلت بلومبرج في وقت سابق من هذا العام أنه طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – وهو حليف لإيران – التوسط في محادثات مع طهران.
وقال ترامب هذا الشهر: "أريد لإيران أن تزدهر. لا أريد أن أؤذي أحدًا، لكن إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا. لا نريد أن نأخذ منهم صناعتهم أو أرضهم."
وأشار الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان إلى أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي – الذي وافق على مضض على اتفاق 2015 النووي الذي انسحب منه ترامب لاحقًا – لا يرى مانعًا في أن يستثمر الأمريكيون في الجمهورية الإسلامية.
وتبدو استراتيجية عراقجي مدعومة من قبل التيار المتشدد، مما يشير إلى أن المؤسسة الدينية الحاكمة تواجه ضغوطًا لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تعزز السخط الشعبي داخليًا.
وقال همايون فلكشاهي، رئيس تحليل أسواق النفط الخام في شركة كيبلر:"لم يتبقَ لديهم الكثير من أوراق الضغط في المفاوضات، وهم أقل تهديدًا مما كانوا عليه قبل بضع سنوات، كما أن وكلاءهم فقدوا الكثير من نفوذهم."
"يحاولون القول للولايات المتحدة: يمكنكم الاستفادة من الاتفاق، ونحن مستعدون لفتح أبواب الاستثمار أمام شركاتكم."
رغم أن اتفاق عام 2015 النووي علّق عددًا من العقوبات الأمريكية الثانوية، إلا أنه لم يلغِ العقوبات الأساسية، وظلّت وزارة الخزانة الأمريكية تمنع الاستثمار الأمريكي المباشر في الاقتصاد الإيراني.
وعندما انسحب ترامب من ذلك الاتفاق، أعاد فرض العقوبات ضمن سياسة "الضغط القصوى"، بل وتجاوزها، إذ حظر على الدول الأخرى شراء النفط من إيران، العضو بمنظمة أوبك.
وأدت هذه العقوبات إلى انخفاض صادرات إيران النفطية وهروب الشركات الأجنبية وانهيار العملة التي فقدت نحو 90% من قيمتها أمام الدولار منذ عام 2018. كما واجهت البلاد أزمة وقود وكهرباء خلال شتاء العام الماضي.
ويحاول مسؤولو قطاع النفط والغاز استقطاب الأموال الأجنبية لتغطية فاتورة قدرها 135 مليار دولار يحتاجها القطاع لإعادة تأهيل البنية التحتية.
وقال فلكشاهي: "سيكون هذا من أكبر الفرص الاستثمارية العالمية في قطاع النفط والغاز."
لكنه أضاف أن البنود المالية التي ستعرضها إيران على الشركات الأجنبية ستكون حاسمة لجذب المستثمرين.
ومع ذلك، تبقى هناك عقبات كبيرة أمام الاستثمار في إيران، مثل الفساد وهيمنة الدولة على الاقتصاد، وانعزال النظام المصرفي عن المعايير الدولية. كما أن الشركات الأمريكية قد تواجه انتقادات شديدة من المعادين لإيران في واشنطن وتل أبيب.
العقوبات الأساسية
الاتفاق النووي الأصلي – المعروف رسميًا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" – فرض قيودًا صارمة على تخصيب اليورانيوم الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
لكن خلال أشهر من تنفيذ الاتفاق في يناير 2016، اشتكى المسؤولون الإيرانيون من أن الفوائد الاقتصادية لم تتحقق بالشكل المتوقع، وكان السبب الرئيسي هو أن الشركات الأوروبية واجهت صعوبات في التعامل مع إيران بسبب استمرار العقوبات الأمريكية.
وقال بيجان خاجبور، الاقتصادي والشريك الإداري في شركة Eurasian Nexus Partners للاستشارات: "هدف إيران هذه المرة هو رفع العقوبات الأساسية وتمهيد الطريق للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية للبلاد."
في حين كانت رؤية ترامب الأصلية تهدف إلى صفقة شاملة تشمل كبح دعم إيران لوكلائها وحتى برنامجها الصاروخي، تشير تصريحاته الأخيرة إلى أنه قلّص أهدافه إلى ضمان عدم امتلاك إيران سلاحًا نوويًا.
ومن خلال عرض فرصة استثمار أمريكية في القطاع النووي الإيراني، تسعى طهران لطمأنة واشنطن بهذا الشأن، كما تأمل في تقليل فرص تراجع أي إدارة أمريكية مستقبلية عن الاتفاق.
لكن، رغم أن فتح أبواب الاقتصاد الإيراني بشكل غير مسبوق قد يكون مغريًا لترامب ويحل جزءًا من أزمات إيران، إلا أن ذلك سيتطلب التزامًا سياسيًا هائلًا وتغييرات كبيرة من جانب الجمهورية الإسلامية.
وقالت غيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "رفع جميع العقوبات الأساسية والقيود القانونية على التجارة الأمريكية سيتطلب تحولاً جذرياً في السياسة."
"وسيتطلب تنازلات كبيرة من الجانب الإيراني، وجهدًا دبلوماسيًا ضخمًا من ترامب."